رأي

“كلام في السياسة” يتساءل “فين غادي المغرب؟”

سعيد الغماز

الحلقة الخامسة من “كلام في السياسة” لتوفيق بوعشرين، لم تُرِد ترديد نفس الكلام، بل اختارت طريقا آخر، ومسارا مغايرا. وكأنها حلقة تريد أن تبقى وفية للحلقة الأولى التي قال فيها بوعشرين “نحاول اليوم.. لنُحدث الفرق في الغد”. حضر المغرب في هذه الحلقة، وحضرت الجزائر، وغزة كذلك. في حين غاب ترامب، وغاب تنصيب رئيس من درجة امبراطور. ربما يحضر ترامب في الحلقة القادمة. من يدري؟ والسؤال لصاحب القلم الناطق.
حديث صاحب القلم الناطق، لم يكن عن المغرب، وإنما طرح سؤال “فين غادي المغرب؟”. لم يُكثر توفيق بوعشرين من الكلام، بل صوّب قلمه، ووجه الكاميرا، للهدف مباشرة. ليس هدف كرة القدم، ولا هدف حكيمي أو زياش أودياز الذي ننتظره في 2026 و2030. وإنما الهدف هو تلك النقطة المحاطة بالعديد من الدوائر، تنتظر وصول سهم التسديد، أو لنقل كلمة التبليغ، مادام صاحب “كلام في السياسة” اختار لسان الصورة وليس حبر القلم، كتجربة جديدة، في حقل محاط بالألغام، اسمه الإعلام.
يقول إحصاء 2024، إن الخصوبة في المغرب نزلت، وأصبحت المرأة تلد أقل من طفلين في كل حياتها. هذا معناه أننا في الإحصاء القادم سنفاجأ لأول مرة بتراجع عدد سكان المغرب. إنه إذا بلغة الإحصائيين، طريق الانقراض. في 50 سنة، ما حققه المغرب في انخفاض الخصوبة، لم تحققه فرنسا في 150 سنة. الأجانب بيننا لا يمثلون سوى 0،46% من مجموع المغاربة، وهو رقم بعيد قياسا لباقي الدول. ولو اكتفينا بالدول التي سننظم إلى جانبها مونديال 2030، فالأرقام تقول إن نسبة الأجانب في اسبانيا تبلغ 13،7%، فيما يبلغ هذا الرقم في البرتغال 10،3 % من الأجانب. يبلغ عدد المغاربة في الخارج أكثر من 5،5 مليون مغربي، هذا يعني أن بلادنا تُصَدِّر الهجرة ولا تستقبل المهاجرين.
في فقرة واحدة، جمع صاحب القلم الناطق، الأرقام التي قال عنها “تزعج ومخيفة”، وأعطى لهذه الفقرة عنوانا لا يخلو من إثارة حين قال عنها “تُطَيِّر النوم من تحت وسادة كل عاقل ينظر أبعد مما تنظر إليه حكومة الكفاءات، وقانا الله من قصر نظرها”، ونحن نقول آمين آمين آمين… البطالة بلغت في تقرير الإحصاء 21،3%، وتزداد وسط الشباب المتعلم لتصير أكثر من 30%. يُضيف الإحصاء رقما آخر، ربع سكان المغرب أميون. المدة الدراسية للشباب فوق 25 سنة لا تشكل سوى 6 سنوات و3 أشهر فقط في مقاعد الدراسة، فالمغرب إذا، بعيد عن زمن التكنولوجيا والزمن الرقمي. الفوارق الاجتماعية لم تقف بل تتسع. الفرق بين أعلى راتب وأدنى راتب في القطاع العام يبلغ 40 مرة. فيما هذا الرقم في فرنسا لا يتجاوز 10 مرات. المغرب إذا بعيد عن إزالة الفوارق الاجتماعية والمجالية.
الخلاصة التي ارتآها القلم الناطق لهذه الأرقام، هي كما كتبها بلسانه “مع هذه الأرقام، مرحبا بالتوترات الاجتماعية، وظواهر “الحريك”، والإجرام، والتطرف في ضواحي المدن وأحزمة الفقر التي ستُطوِّق هذه المدن، خاصة مع زيادة الفوارق الاجتماعية، وزيادة طموحات الشباب، وفشل المدرسة العمومية. الندرة إذا زادت عن حدها تصبح قنبلة موقوتة، انتبهوا!!!”. لسان القلم الناطق لم يرد الوقوف عند هذا الحد من التنبيه، فأضاف “هذه أرقام لا تخجل من أحد ولا تخاف من قول الحقيقة”.
إذا ما العمل؟ لا يملك القلم الناطق الحل لأنه يقول “أنا لست سياسيا لأطرح برنامجا، أنا مجرد صحفي أُنبه، وربما أُبدي رأيا هنا أو هناك”. ويضيف القلم الناطق، لا بد أن يفكر المغرب اليوم وغدا، في “عرض سياسي جديد مبني على العناصر التالية: انفراج سياسي جدي وعميق، يسمح بإطلاق حوار وطني حول تحديات الحاضر وأفاق المستقبل من أجل عقد اجتماعي جديد – إطلاق جيل جديد من الإصلاحات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والإعلامية والقضائية والترابية”. الإحصاء مرآة صافية نرى فيها وجوهنا، فهل نستعمله وفق كفاءة حكومة الكفاءات، أم نطرحه في الرفوف ولا نتحدث عنه سوى في الإحصاء القادم، بعد عشرية لا ندري كيف ستكون.
المحور الثاني اختاره بوعشرين للحديث عن جارنا الجزائر، والحملة التي يتعرض لها النظام الجزائري “مانيش راضي” التي تعارض النظام في اختياراته السياسية والاجتماعية. الوضع في الجزائر لخصه القلم الناطق في نكتة جزائرية تقول “سُئِل مواطن جزائري لماذا لا تشارك في الانتخابات؟ فأجاب لأنهم يعلنون النتائج قبل أن أقرر على من سأصوت”. نكتة لا تُضحك، لكنها تُوضح.
الجزائر تتوفر على رقم للتسلح كبير وحتى مخيف. خصص النظام الجزائري في ميزانية 2025 مبلغ 25 مليار دولار للتسلح. وهو رقم يشكل 20%من الميزانية العامة للبلاد. هي أعلى نسبة للإنفاق على التسلح في العالم. نسبة ميزانية الدفاع من الناتج الداخلي الخام في الجزائر تبلغ 13،8 %، فيما تبلغ هذه النسبة 8،5% في المغرب، و2،5% في فرنسا، و4،7% في الولايات المتحدة الأمريكية، و1،1% في إسبانيا، و6،3% في روسيا رغم خوضها حربا وجودية مع أوكرانيا ومن خلفها العالم الغربي.
إذا الجزائر تتسلح أكثر من أي دولة في العالم يقول القلم الناطق. إنه مصير مُحزن لشعب ضحى كثيرا من أجل استقلال بلاده، وطرد المستعمر بعد قرن ونصف من الاستعمار. لكنه عاجز عن طرد نُخب الجيش التي قادت البلاد إلى هذا المأزق الكبير. كلما تأزمت الأوضاع الداخلية في الجزائر، زاد الانفاق العسكري، وزاد تصدير المشاكل للخارج، وزاد معه العداء للمغرب، وزاد الانعزال أكثر لنظام عسكري، وزاد الهروب إلى الأمام عوض مواجهة مشاكل الداخل، بالبحث عن حلول للمشاكل الاقتصادية والاجتماعية والسياسية، بشراكة شاملة وواسعة مع جيرانه.
…وشهد شاهد من أهلها، هكذا اختار القلم الناطق خلاصة هذا المحور الثاني من “كلام في السياسة” حول الجزائر. الكاتب كمال داوود يقول “إن النظام الجزائري يعتمد على الكذب كأسلوب ضروري للبقاء، وأن الخطاب الرسمي منفصل تماما عن الواقع الذي يعيش فيه المواطن”. جملة لخصت كل شيء في الجزائر.
“لا تمت قبل أن تكون نِدًّا” هذا هو العنوان الذي اختاره القلم الناطق للحديث عن أبطال غزة، الذين يتفاوضون مع عدوهم المباشر إسرائيل، وعدوهم الغير مباشر الولايات المتحدة الأمريكية، بعد 15 شهر من الدم والدمع والألم. بهدوء وببعد نظر، يطرح القلم الناطق سؤال من انتصر؟ الاحتلال قتل حوالي 50 ألف شهيد، وجرح أكثر من 120 ألف فلسطيني وفلسطينية. قتَلَ ودمَّرَ وجَرفَ وأحرقَ، لكنه لم يخرج منتصرا. ما خرجت به إسرائيل هو إعاقة دائمة للمشروع الصهيوني، وأزمة وجودية، لم تعد تخفيها حتى الصحافة العبرية. أصبحت إسرائيل دولة مليئة بالتناقضات الداخلية، دولة تجمع يهودا من مشارب مختلفة وأيديولوجيات متناقضة، وأنماط تَدَيُّن لا يمكن أن تتعايش حتى داخل كنيس واحد، فما بالك في دولة واحدة. البالون الإسرائيلي سينفجر، خصوصا عندما تنتهي الحرب، ويبدأ الحساب، وتتكشف حقيقة الإبادة الجماعية التي أشرف عليها الجيش الإسرائيلي. السؤال فقط هو متى وكيف؟
إسرائيل متهمة بجريمة الإبادة الجماعية. الدم دائما ينتصر ولو بعد حين. فلا الأسرى تمت إعادتهم بالقوة، ولا تم القضاء على حماس، ولا استطاع جيش الاحتلال البقاء في غزة، ولا تم تهجير الفلسطينيين خارج غزة، ولا تم نزع سلاح حماس. فأين هو هذا الانتصار الزعوم؟
“المقاومة مكلفة نعم، فادحة الثمن نعم، لكن هل هي مُجدية؟ الجواب كذلك نعم” هكذا تكلم القلم الناطق. والدليل، يقول القلم دائما، اسألوا التاريخ، فالقوة وحدها لا تصنع النصر. فلنسأل التاريخ كيف انتصرت المقاومة في أمريكا؟ وفرنسا؟ والمغرب؟ والجزائر؟ والفيتنام؟ وجنوب إفريقيا؟ وأفغانستان؟ والعراق؟ … كلها دول انتصرت بالمقاومة رغم تفوق المحتل عسكريا.
إسرائيل لا تقرأ التاريخ. إذا لم يجد المحتل طريقة للتفاهم مع أصحاب الأرض، فإنه سيبقى دائما محتلا، مرفوضا منبوذا، وعنصرا غير قابل للاندماج في المنطقة .
للاستسلام قواعد كما للنصر قواعد. والحروب لا تحسب بعدد الضحايا فقط، بل بمن استطاع فرض إرادته في النهاية. غزة لم تُهزم كما لم تُكسَر إرادة المقاوم. غزة لم تطرح السلاح، كما أن شروط الاستسلام لم تُفرض على أبطال غزة. فيما خرج جيش الاحتلال بسجل جنائي، بجرائم حرب، بقادة مطلوبين للمحاكمة الدولية، وممنوعين من دخول 120 مطارا حول العالم. فمن انتصر؟
الأيام القليلة كفيلة بأن تروي لنا بقية القصة، لأن الذاكرة هي عدوة أي محتل.​
وصدق أبو عمار في مقولته للفلسطينيين “شعب الجبارين”، وهذا أفضل وصف لشعب غزة. الكلام لي وليس للقلم الناطق.
هكذا اختار القلم الناطق أن تكون نقطة نهاية الحلقة الخامسة من “كلام في السياسة”. ولربما تكون هذه النقطة هي افتتاحية الحلقة السادسة. من يدري؟

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى