
الوطن بين البيع والشراء :
ليس الوطن عبارة عن قطعة أرض، قد تكون شاسعة ممتدة أو ضيقة، مع تضاريس من جبال و هضاب و أنهار و صحاري، إنما الوطن هو عبارة عن مشاعر و أحاسيس و حب كذلك، و ذكريات جميلة وأخرى مؤلمة كل هذا يشكل الوطن، قد يشعر الإنسان أحيانا بقهر و بظلم في هذا الوطن، سواء من طرف حاكم مستبد همه تثبيت كرسي حكمه، بقمع الشعب و نهب ثروات البلاد برا و بحرا، أو من جانب محتل بغيض يذيقه ألوانا من العذاب، إذن فهل يكفر الإنسان هنا بحب هذا الوطن..؟ في هذه الحالات ينقسم الناس إلى صنفين: فهناك من يستمر في حبه للوطن مهما توالت عليه الخطوب، ومنهم من يكفر بحب هذا الوطن عند أول ابتلاء … يتركه وراء ظهره ولا يلتفت..!! بداية يكون الكلام عن من يصمد في وطنه مهما تتعاظم الصعاب، وهذا نظرا لشرفهم وسمو همتهم..
ـ لا مساومة في بيع الوطن :
لقد صدق الشاعر الذي كتب كلمات هذه الأغنية الرائعة عن الوطن : ( .. ياوطن يا احبيب يابو قلب طيب.. حتى نارك جنة..)، لقد وجدت فعلا هذه الأبيات الشعرية، خير من يعبر عن حال أهل غزة مع وطنهم، في معركة طوفان الأقصى كانت محرقة في غزة، وكان رد الغزاويين على عدوان الصهاينة هو هذا البيت (.. حتى نارك جنة..) المقصود هنا الوطن، وهو فعلا ما جسده الشعب الغزاوي على أرض الواقع، حوالي ثمانين ألف طن من القنابل الشديدة الإنفجار، التي حولت ليل غزة إلى نهار و أحرقت الأخضر و اليابس، و سوت بالأرض ثلثي مباني غزة ناهيك عن ألاف الشهداء والجرحى، باختصار أليس هذا جحيما لا يطاق..؟ ( حصار خانق ـ دمار شامل ـ قصف ليل نهار ـ مجاعة..)، ومع هذا كله ولا غزاوي واحد هرب، أو حتى فكر في مغادرة الوطن إلا للعلاج، قد تسأل أي غزاوي مباشرة بعد ما ينجلي غبار القصف، هل تود مغادرة الوطن إلى دول أخرى..؟ الجواب : لا نغادر غزة إلا إلى غزة سنظل صامدين هنا، لقد حاول الكيان الصهيوني إغراء أهل غزة و مساومتهم، بعدما فشل في تهجيرهم بالقوة خارج أرض الوطن … لقد استعمل المكر والدهاء لعله يفلح هذه المرة، وإليك إحدى حيل بني قينقاع و بنو قريظة…
ـ سلاح التهجير نحو أوروبا :
فعلا كان هذا هو الحل السحري بعد أزيد من 75 سنة من المجازر دون جدوى، حيث تفتقت عبقرية جنرالات بني قريظة على إغراء أهل غزة بالهجرة، نحو دول الإتحاد الأوروبي وأمريكا الشمالية و كندا، حيث الثراء والإستقرار و العيش الرغيد مع المستقبل المضمون، بعيدا عن جحيم الوطن الملتهب بسبب القصف المتواصل، وفي هذا الصدد ضغط لوبي الماسونية العالمي بكل قوة على حكومات هذه الدول، وذلك على أساس أن تلتزم كل دولة بأخذ جزء من سكان غزة، وتوطينهم بمنحهم الإقامة الدائمة وإيجاد شغل قار لحاملي الشهادات منهم، في الحقيقة إن دول الإتحاد الأوروبي
هم الرابحون، لأن الشعب الفلسطيني على درجة عالية من التعليم، يد عاملة ماهرة من مهندسين و أطباء و في كل التخصصات، لكن المشكل هو رفض أهل غزة كل هذه الإغراءات، كما يقول المغاربة : ( أهنا فين أعواج الفݣوس )، إنه أمر طريف و مضحك يذكرنا بقصة حلم الراعي بزواجه من الأميرة الحسناء، حيث قالوا للراعي هل ترغب في الزواج من الأميرة..؟ قال لهم : ( نعم بكل سرور لكن السؤال هو هل الأميرة تود الزواج مني..؟ )، لقد كسر الغزاويون كبرياء أوروبا وأمريكا الشمالية و كندا، برفضهم الهجرة إلى بلدانهم التي يسيل لها لعاب الملايين من العرب، لكن أهل غزة وحدهم يشكلون الإستثناء، حيث فضلوا نار الوطن على جنة الهجرة إلى الخارج، بمجرد أن بدأ سريان وقف إطلاق النار، حتى سارع أهل غزة إلى شد الرحال والعودة إلى مناطق سكناهم، ولسان حالهم يقول : ( .. ياوطن يا احبيب حتى نارك جنة)..
خلاصة هذه الفقرة :
نعم ومن الحب ما قهر العدو و هزمه،
في الحقيقة لم أجد سلاحا أخطر وأجدى من سلاح الحب، الذي قهر العدو و جعله يجثو على ركبه طلبا للحل، نعم هناك أسلحة على بساطتها قامت بمواجهة العدو، لكن أمضى سلاح هو حب هذا الشعب لهذا الوطن، وحب الناس البسطاء لرجال المقاومة جنودا وقادة، هذا الحب الذي قهر كراهية بني صهيون، و أفشل مخطط تهجير سكان غزة ولم يجدوا له حلا…
نمر إلى الصنف الثاني من البشر، الذين يفرطون في الوطن عند أول ابتلاء..
ـ يبيع الوطن ولو بقشرة بصلة :
هذا الصنف من الناس موجود في كل الدول، حيث يكون الشخص مستعد لبيع الوطن لمن يدفع أكثر، لا يضع اعتبارا لأي شيء سوى المال أولا وأخيرا، هناك شباب في دول عربية أفضل حال نسبيا، ولا مجال لمقارنة وضعهم مع أهل غزة، ومع ذلك تجدهم محبطين كارهين لوطنهم، و لو فتح باب الهجرة إلى الخارج أكيد أن شعارهم هو : ( الأخير يغلق الباب)، إن الخطر يكمن في هذه الفئة من الناس فقد يستغل العدو ضعفها، و سعيها نحو طلب المال بكل الطرق و الركض وراء الربح السريع كذلك، مع انعدام حس الوطنية عندهم فقد يصبحون عملاء، ولقد وقعت أحداث مؤسفة بسبب حلم الهجرة، و كان ضحيتها شباب مندفع وقعوا في فخ ( الموساد)، حيث تم استدراجهم إلى شركات وهمية في دول غربية، وانتهى بهم المطاف إلى أن اصبحوا عملاء في شبكة التجسس، طبعا الخاسر الأكبر هو الوطن الذي بيع بثمن بخس … يجب إعادة تعريف العدو من الصديق، مع الأسف نحن مضطرون لذلك بعد أن اختلط الأمر، فهل دولة الإحتلال ( إسرائيل) مثلا صديق أم عدو..؟
ـ ” إسرائيل” بين الموت و الموز..!!
و انظروا إلى حال سلطة العبابسة في رام الله، عندما غلب حب المال على حب الوطن، كيف أصبح بعض رجال السلطة يقاتلون جنبا إلى جنب مع الصهاينة، في تنكر تام لوحدة المصير وخيانة واضحة لكفاح الأجداد،
وهذا نتيجة تغير العقيدة القتالية لأجهزة سلطة رام الله، حيث أصبح هنا ( الصديق عدوا والعدو صديقا)، لقد اشترى العدو ولاء السلطة بدفع المال ( مصاري)، مع منح المسؤولين فيها امتيازات شكلية، مقابل طعن المقاومة من الخلف دون استحياء، مع الأسف هذه الأموال و المصاري مغمسة في دماء شرفاء الوطن، هذا يشكل انفصال سلطة رام الله عن نبض الشعب، فإذا كان هذا الأخير يقول: ( الموت لإسرائيل فإن السلطة ترد عليه لا بل ” الموز” لإسرائيل) حلل يا ادويري، و الموز كما هو معلوم من أفضل الأطعمة عند قردة الشمبانزي، المضحك أن تسمي سلطة رام الله نفسها ب (الوطنية)، اللهم إن هذا كذب و بهتان و زور، عن أي وطن و وطنية يتحدثون؟ هذه جريمة انتحال صفة، كما يقال : ( إذا لم تستحي فقل ما شئت وافعل ما شئت و انتحل ما شئت…)
ـ عدو يقاتل مغمض العينين :
لقد تمت تصفية كثير من قادة المقاومة في فلسطين وخارجها، بسبب حب المال أي ( المصاري) بالعامية وجعله هدفا أسمى من حب الوطن، لم يستطع العدو تجنيد عملاء بشكل كافي في غزة، حيث وجد صعوبة بالغة في هذا الصدد، تقريبا تجنيد عميل واحد في غزة يقابله عشرة في الضفة، هذا ليس تنقيصا من مقاومة شعب الضفة البطل، حاشاه لكن المشكل في حماية العملاء من طرف سلطة رام الله، لكن في غزة نجد الشعب والمقاومة على قلب رجل واحد، فحتى عندما ينجح العدو في تجنيد عميل، يتم اكتشافه بسرعة قياسية ثم تصفيته على الفور، لهذا السبب فشلت حربه على غزة حيث دخل العدو المعركة مغمض العينين، يقاتل بعشوائية و بلا بنك أهداف واضح، حيث قصف المخابز و المستشفيات و المساجد فهل هذه أهداف عسكرية..؟ مما أدى إلى إبادة جماعية أغلب ضحاياها من المدنيين العزل … خلاصة :
مسرور المراكشي يقول لأهل جنين وباقي مدن الضفة الثائرة، صبرا فمصير الرئيس العبابسة و باقي العملاء، إلى مزبلة التاريخ وبئس المصير، هي سنن كونية لا تحابي أحدا، لن يكون العبابسة أقوى من سفاح سوريا بشار الإبن وحافظ الأب، فبعد 50 سنة من المجازر ينهزم أمام ثوار الشعب السوري، فعلا إن الطغاة لا يتعظون من مصير من سقط قبلهم، لا أتحدث عن القرون الغابرة فرعون وقارون و هامان وغيرهم، نذكر فقط أخر طبعة منقحة و مزيدة من طغاة طبعة 2000 : ( بن علي ـ القذافي ـ مبارك ـ بشار..)، والحبل على الجرار كما يقال، ننتظر أخبار سارة من مصر قريبا إن شاء الله، لهذا الدور جاي على صاحب المتراس الذي يضرب أخماسا في أسداس، إن الحب المتبادل بين المقاومة والشعب في غزة، وحب الوطن كذلك كان حائطا منيعا تحطم عليه مخطط تهجير الشعب الغزاوي إلى الخارج، حيا الله ثوار التحرير أينما كانوا ✌🏼