
======================
إن دواعي اختيار الحديث في هذا الموضوع متعددة من أهمها حاجة النفس البشرية إلى التذكير، والتزكية، والمحاسبة . فالقرآن الكريم ذكر وتذكير ” فذكر بالقرآن من يخاف وعيد ” الذاريات 45 ، ” وفي آخر آيات سورة الغاشية قوله تعالى. ﴿ فَذَكِّرْ إِنَّمَا أَنْتَ مُذَكِّرٌ (21) لَسْتَ عَلَيْهِمْ بِمُسَيْطِرٍ(22)﴾ والإسلام في تربيته للنفس البشرية جعل لها لحظات يومية وسننا للحساب الفردي، والتنبيه الجماعي. إننا أمة الهداية ” اهدنا الصراط المستقيم” وأمة الخيرية بالتزام شروطها لآية: ﴿ كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَوْ آمَنَ أَهْلُ الْكِتَابِ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ مِنْهُمُ الْمُؤْمِنُونَ وَأَكْثَرُهُمُ الْفَاسِقُونَ ﴾. آل عمران 110،وأمة التبليغ قال عليه السلام ” بلغوا عني ولو آية” رواه البخاري ، ونخن أمة الشهادة قال تعالى ﴿ فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلَى هَؤُلَاءِ شَهِيدًا ﴾. النساء الآية: (41) وَكَذَٰلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِّتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا ۗ ” وقوله سبحانه ” هو اجتباكم وما جعل عليكم في الدين من حرج ملة أبيكم إبراهيم هو سماكم المسلمين من قبل وفي هذا ليكون الرسول شهيدا عليكم وتكونوا شهداء على الناس ” الحج 78 . أمة الريادة والقيادة، وأمة الاعتصام بحبل وعدم التفرقة وخيانة العهد والميثاق، وأمة الالتزام بالعهود والمواثيق قال تعالى” وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا وَكُنْتُمْ عَلَى شَفَا حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ فَأَنْقَذَكُمْ مِنْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ ﴾. آل عمران الآية :103. وأمة المحاسبة والوقوف على الآفات والاختلالات. والقرآن الكريم حافل بأمثلة المحاسبة والمراجعة وتصحيح مسار وسير الصحابة رضوان الله عليهم. وقد تعجب عبد الله بن مسعود وقال لم أكن أعلم أن منا من يريد الدنيا ومنا يريد الآخرة حتى نزل قوله تعالى وَلَقَدْ صَدَقَكُمُ اللَّهُ وَعْدَهُ إِذْ تَحُسُّونَهُم بِإِذْنِهِ ۖ حَتَّىٰ إِذَا فَشِلْتُمْ وَتَنَازَعْتُمْ فِي الْأَمْرِ وَعَصَيْتُم مِّن بَعْدِ مَا أَرَاكُم مَّا تُحِبُّونَ ۚمِنكُم مَّن يُرِيدُ الدُّنْيَا وَمِنكُم مَّن يُرِيدُ الْآخِرَةَ ۚ ثُمَّ صَرَفَكُمْ عَنْهُمْ لِيَبْتَلِيَكُمْ ۖ وَلَقَدْ عَفَا عَنكُمْ ۗ وَاللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ (152). ولعل خوض العديد من أبناء حركة التغيير والصحوة الإسلامية غمار المجال السياسي والنقابي والمدني وما يصاحبه من تحديات وحاجة إلى الوقوف مع الذات وتحصين النفس من إغراءات مادية ومعنوية، يؤكد راهنية هذه الأوراق التي سيكون لنا فضل جمعها وترتيبها بالاعتماد على العديد من كتابات الدعاة والمفكرين الذين لهم بدورهم فضل التنبيه والتصحيح والتقويم. وليست غايتنا تتتبع عورات الناس وهذا منهي عنه شرعا وغير مقبول عقلا، ولا التهويل من ظاهرة الآفات والاختلالات بقدر ما نسعى إلى تنبيه أنفسنا وغيرنا لبعض الأمراض المصاحبة لكل من أراد خوض غمار التغيير والإصلاح، والذي لن يتأتى إلا بإصلاح النفس وعدم تزكيتها ” فلا تزكوا أنفسكم هو أعلم بمن اتقى ” ” قل هو من عند أنفسكم ” ” إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم” .
======================
تقديم :
إن لكل عمل حتى يكتب له النجاح لا بد له من أسس يبتني عليها تكون هي مقومات نجاحه وأي خلل في هذه المقومات تستدعي هبوط مستوى العمل وإذا لم يتدارك هذا الخلل في الوقت المناسب لربما كان بداية انهياره إن لم ينهار بالفعل.
والعمل الدعوي شأنه شأن غيره من الأعمال يحتاج إلى التطوير والتقويم المستمر، واستدراك ما قد يوجد من الأخطاء التي هي من طبيعة البشر، فإن العمل الذي لا يتطور مع مرور الزمن هو في الحقيقة عمل جامد لا يتناسب مع ما يجب طرحه من مشروعات دعوية مختلفة، وبما أن العمل الدعوي بطبيعته ذو طبيعة ثابتة في مضمونها ومصدرها إلهي، فإن التطوير المطلوب لا يشمل المادة الدعوية التي هي أساس الخطاب الدعوي وهي الدعوة إلى التوحيد والتحذير من الشرك والبدع والأمر بطاعة الله تعالى والنهي عن معصيته، بقدر ما يشمل آليات ووسائل الدعوة المعتمدة والبرامج والمخططات الإستراتيجية والمؤشرات ونوع الخطاب وغيرها مما هو متغير غير ثابت ومتطور بتغير الأزمان والأمكنة والمستهدفين .
إن غياب التقويم يصبح معه المشروع الدعوي ومن ورائه المشروع الإسلامي نشاطا ترفيهيا وثانويا، فاقدا معانيه الإستراتيجية ومكانته الأخلاقية، فلن يكون بوسع القائمين على المشاريع الدعوية التحقق فيما إذا كانوا قد حققوا أهدافهم أم لا، وبأية نسبة، في غياب تقويم علمي لنتائج المشروع وآثاره الواقعة، ففي حالات كثيرة يجتهد الدعاة في ضبط وإتقان كل شيء من الدراسة والتخطيط للفعل الدعوي، وانتهاء بالإنجاز والترويج، ويغفلون عن التقويم.
“أما الانتقاد الصحيح لما وقع فيه (يقصد العمل الاسلامي) من أخطاء، أو الاستدراك على ما فاته من كمال فيجب أن نقبله على العين والرأس، ولو كان النُقَّاد مدخولي النية، سيئي القصد؛ فسوء نيتهم عليهم وحدهم، وخير لنا أن ننتفع بما أجراه القدر على ألسنتهم من تصويب. ومن يدرى؟ لعل ذلك الانتفاع يكون أغيظ لنفوسهم المريضة، والعاقل يتسمع ما يقوله أعداؤه عنه؛ فإن كان باطلا أهمله فورا ولم يأس له، وإن كان غير ذلك تروى في طريق الإفادة منه”.
“جدد حياتك” محمد الغزالي
إن بناء آلية النقد الذاتي (النفس اللوامة) تضع الروح على المسار السليم للتصحيح والنمو بدون توقف، ولكن لا أحد يمارس هذه الوظيفة. ونحن نعلم من قانون التطور والوظيفة أن كل عضو لا يعمل يضمر. وهذا يعني أننا نعاني من شلل قاتل، ومن محق للبركة في أعمالنا بتعطيل جهاز النقد الذاتي. ويبقى العمل الشيطاني السهل في لوم الآخر. الكل يبحث عن كبش فداء يعلل به أسباب القصور الذاتي. إنه مرض قاتل لأنه لا يحرر الإرادة من العطالة طالما كان الآخر هو السبب. إنه دوما: الاستعمار، والماسونية، والصليبية، والاستخبارات المركزية الأمريكية، والموساد، وإذا فرغت كل الأسلحة يبقى السلاح الذي يخرس الجميع، اي سلاح التذرع بـ: إنها إرادة الله. ونحن نعلم أن الشيطان نفسه يتبرأ من هذه المقولة يوم القيامة فيقول، فلا تلوموني ولوموا أنفسكم. ونحن نعلم أن المشركين كانوا يعزون شركهم إلى الله «وقال الذين أشركوا لو شاء الله ما أشركنا ولا آباؤنا ولا حرمنا من دونه من شيء». إن ثقافة الشيطان موجودة ايضا في زماننا هذا.
“النقد الذاتي ” خالص جلبي
وقد تعهد الله سبحانه وتعالى عباده بأفضل كتاب أنزله على أفضل نبي عليه السلام ليكون لعالمين نذيرا، ويزكي به الأنفاس، وترتقي إلى الدرجات العلى.
الحلقة الأولى: آفات اللسان.
لعلنا نستصغر اللسان الذي هو أساس كل داء، وتأتينا منه المهالك، نطلق له العنان فنصبح له سجناء وتابعين، لا نقدم شيئا إلا بإذنه، ونصوغ لفعلنا الشنيع العديد من المبررات التي لا تستقيم شرعا ولا عقلا. نبحث لأنفسنا العليلة والمريضة عن مخرج مما نحن فيها، فتشتغل آلة مبرر النقد وحرية التعبير، وذكر الفاجر بما فيه ، وهكذا نخوض في أعراض الناس، وينزل بنا اللسان منازل الهلاك والدركات، ولن نجد مخرجا من مهلكنا، ونكون قد ابتعدنا عن التحذير النبوي للصحابي الجليل، ” كف عنك هذا”. فالأعضاء كلها تخشى اللسان وتحذره، فهو القائد نحو بر الأمان أو الهلاك، والأعضاء تبع له، روى الأمام الترمذي وحسنه الألباني عن أبى سعيد الخدري رضي الله عنه إن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ” إذا أصبح ابن أدم فإن الأعضاء كلها تكفر اللسان ـ أي تخضع له ـ فتقول : اتق الله فينا فإنما نحن بك فان استقمت استقمنا وان اعوججت اعوججنا.
واللسان رحب الميدان .. واسع المجال .. هو ترجمان القلوب والأفكار .. آلة البيان وطريق الخطاب .. له في الخير مجال كبير وله في الشر باع طويل .. فمن استعمله للحكمة والقول النافع .. وقضاء الحوائج .. وقيده بلجام الشرع .. فقد أقر بالنعمة ووضع الشيء في موضعه .. وهو بالنجاة جدير.. ومن أطلق لسانه وأهمله .. سلك به الشيطان كل طريق.
ولعل هذه الآفة أخذت مسلكا جديدا ومتطورا، مع تطور التكنولوجيا، وأصبحنا أمام غيبة إلكترونية، وافتراء وكذب، وغيره من آفات اللسان، التي وصلت ببعضنا إلى نسج القصص والحكايات، والافتراء على الخلق بدون حق.فما آفات اللسان؟ وما أضراره؟ وما علاج هذه الآفة؟
ضرورة حفظ جارحة اللسان:
تُعرّف آفات اللسان بأنّها كلّ ما يُصيب الشيء فيُفسدُه، من عاهة أو مرض أو قحط” وآفات اللسان شرعاً هي ما نَهى عنها الشَرع؛ حيث أولى الشرع عنايةً كبيرةً باللسان لأنّه ذو شأن خطير، وكل ما ينطق به المرء مُحاسَبٌ عليه، وذلك ما جاء في الآية الكريمة (مَّا يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ). ووَرَدت الكثير من الأحاديث النبوية التي تحدّثت عن آفات اللسان، منها حديثُ الرّسول عليه الصلاة والسلام: (وَهَلْ يَكُبُّ النَّاسَ فِي النَّارِ عَلَى وُجُوهِهِمْ أَوْ عَلَى مَنَاخِرِهِمْ إِلَّا حَصَائِدُ أَلْسِنَتِهِمْ)، بالإضافة إلى الحديث عنه عليه الصّلاة والسّلام: (إِنَّ الْعَبْدَ لَيَتَكَلَّمُ بِالْكَلِمَةِ مِنْ رِضْوَانِ اللَّهِ لَا يُلْقِي لَهَا بَالًا يَرْفَعُهُ اللَّهُ بِهَا دَرَجَاتٍ، وَإِنَّ الْعَبْدَ لَيَتَكَلَّمُ بِالْكَلِمَةِ مِنْ سَخَطِ اللَّهِ لَا يُلْقِي لَهَا بَالًا يَهْوِي بِهَا فِي جَهَنَّمَ)؛ فجميع هذه الأحاديث والآيات تدعوا لحفظِ اللّسان وصونهِ عن الخوض فيما يُفسدهُ من آفات، وغيرها.
جاء في “الصحيحين ” من حديث أبى هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم : ” إن العبد ليتكلم بالكلمة من رضوان الله لا يلقي لها بالا يرفعه الله بها درجات وان العبد ليتكلم بالكلمة من سخط الله لا يلقي لها بالا يهوي بها في نار جهنم ”
ومن هنا جاء التأكيد العظيم على حفظ اللسان ولعظم هذا الآمر فقد ضرب السلف أروع الأمثلة في حفظهم لألسنتهم فهذا أبو بكر صديق هذه الأمة رضي الله عنه يمسك بلسانه ويقول :” هذا أوردني الموارد ” .. وقال ابن بريده : رأيت ابن عباس أخذ بلسانه وهو يقول : ويحك قل خيرا تغنم أو اسكت عن سوء تسلم وإلا فاعلم انك ستندم قال : فقيل له : يا ابن عباس لم تقول هذا ؟ قال : انه بلغني أن الإنسان ـ أراه قال ـ ليس علي شيء من جسده أشد حنقا أو غيظا يوم القيامة منه على لسانه إلا ما قال به خيرا أو أملى به خيرا وكان ابن مسعود يحلف بالله الذي لا اله إلا هو :ما على الأرض شيء أحوج إلى طول سجن من لسان. وإذا أراد العبد أن يستدل على ما في القلب فاستدل عليه بحركة اللسان فانه يطلعه على ما في القلب شاء صاحبه أم آبى .. قال يحي بن معاذ : ” القلوب كالقدور تغلي بما فيها وألسنتها مغارفها فانظر إلى الرجل حين يتكلم فإن لسانه يغترف لك مما في قلبه حلو وحامض وعذب وأجاج وغير ذلك ويبين لك طعم قلبه اغتراف لسانه ” …
ومن العجب إن الإنسان يهون عليه التحفظ والاحتراز من أكل الحرام والظلم والزنى والسرقة وشرب الخمر ومن النظر المحرم وغير ذلك ويصعب عليه التحفظ من حركة لسانه ؟!!
فان معصية النطق يدخل فيها الشرك وهي أعظم الذنوب عند الله عز وجل ويدخل فيها القول على الله بغير علم وهو قرين الشرك, .وحاصل ذلك أنّ اللسان سلاح ذو حدين .. فهو عند اللبيب المهتدي آلة من آلات الخير والبر .. ومركب من مراكب البلوغ والنجاح .. ورأب صدع الفلك الماخر.. وهو عند الوقح السفيه عقرب خبيثة.
آفات اللسان مهلكات وجب الابتعاد عنها:
الآفة الأولى : الشرك بالله تعالى.
الآفة الثانية : القول على الله بغير علم :
ومن صور القول على الله بغير علم : 1) التسرع بالإفتاء بغير علم . 2) الاعتراض على النصوص بالعقل . 3) ذكر الحديث دون معرفة صحته أو ضعفه . 4) تسفيه أراء أئمة الإسلام . 5) الكلام بالدين على حسب الهوى والظن . لذلك كان حريا وجديرا بالمسلم أن يحذر كل الحذر من القول على الله تعالى بغير علم .. وان يرد الأمر إلى أهله ـ وهم أهل العلم ـ ” فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون
الآفة الثالثة الغيبة.
الآفة الرابعة الكذب.
الآفة الخامسة الكلام بالباطل أو السكوت عن الحق.
الآفة السادسة شهادة الزور.
الآفة السابعة القذف.
الآفة الثامنة الحلف بغير الله تعالى.
الآفة التاسعة السب والشتم والسخرية بالمؤمنين.
الآفة العاشرة اللعن.
لا يزال لسانك رطباً بذكر الله :
لتجاوز هذه الآفة لا بد أن نشغل اللسان بالنافع من الكلام وربطه بما يرضي الرحمان، ونبتعد عن طريق الشيطان، ونجعل اللسان تابعا لنا وفق منهج الله وسيرة رسول الله عليه السلام، والسلف الصالح جاء في ” الصحيحين ” أن النبي صلى الله عليه وسلم قال ” من قال حين يصبح وحين يمسي : سبحان الله وبحمده مائة مرة حطت خطاياه وان كانت مثل زبد البحر ” وعند مسلم انه صلى الله عليه وسلم قال ” أيعجز أحدكم أن يكسب كل يوم ألف حسنة ؟ فسأله سائل من جلسائه كيف يكسب أحدنا ألف حسنة؟ قال : يسبح مائة تسبيحه فيكتب له ألف حسنة أو يحط عنه ألف خطيئة ” وعند أحمد وأصحاب السنن أن النبي صلى الله عليه وسلم قال ” من قال: سبحان الله وبحمده غرست له نخلة في الجنة ” فلننظر إلى حجم الحسنات الهائلة والى ما يقابلها من العمل اليسير.
ولابد من التنبه أنه ينبغي للمؤمنين إذا ضمهم مجلس ألا يخلو من ذكر الله فإن نبينا محمدا صلى الله عليه وسلم يقول :” ما من قوم يقومون من مجلس لا يذكرون الله فيه إلا أقاموا عن مثل جيفة حمار وكان لهم حسرة ” أخرجه الإمام احمد وأبو داود والنسائي من حديث أبي هريرة رضي الله عنه .ولفظ الترمذي :” ما جلس قوم مجلسا لم يذكروا الله فيه ولم يصلوا على نبيهم صلى الله عليه وسلم إلا كان عليهم تره”.
ولهذه المجالس كفارة ارشد إليها النبي صلى الله عليه وسلم في قوله : من جلس مجلسا فكثر فيه لغطه فقال قبل أن يقوم من مجلسه :” سبحانك اللهم وبحمدك اشهد ألا اله إلا أنت أستغفرك وأتوب إليك إلا غفر له ما كان في مجلسه ذلك ” [رواه أبو داود والد ارمي وقال الحافظ في الفتح : سنده قوي ].
ولنعلم جميعا أن الشيطان يستدرجنا عن طريق اللسان، ويسقطنا في شباكه، وننقاذ له دون وعي منا. وقد كثر فينا الغيبة وسوء الظن، والافتراء، واستبحنا أعراض الناس، وأفشينا الأسرار، ولم نحفظ للمجالس حرمة، ولا للمؤمنين قدرا، كل ذلك بداعي النقد لتقويم الاعوجاج، ونحن ما أبعدنا عن النصح السليم وشروطه، والنقد وآدابه. وقد خلف فعلنا المشين هذا أثرا في نفوس إخوة لنا، لم نراع حرمتهم، ولم نكف عنهم ألسنتنا، وجملنا مجالسنا بالمنكر، وزين لنا الشيطان أعمالنا، فعبدنا الطريق نحو جحيم دنيوي، ومصير أخروي بئيس حذر منه خير البرية عليه السلام.
إن الانتماء لحركة التغيير الإسلامي لا يعفينا من ذكر آفات هي لنا مهلكات، فلنتوقف لتقويم الاعوجاج قبل فوات الأوان. ولقد اقتصرنا على ذكر آفات اللسان دون تفصيل لأن أكثرنا يعلم لكل آفة ما جاء فيها من التنبيه والتحذير الإلهي والنبوي. فلنقل خيرا أو لنصمت، عن معاذ بن جبل رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ” إنك لا تزال سالما ما سكت، فإذا تكلمت كتب لك أو عليك” ولنستحضر وعيد رسول الله صلى الله عليه وسلم لمعاذ ” ثكلتك أمك يا معاذ، وهل يكب الناس في النار على وجوههم ــ أو قال على مناخرهم ــ إلا حصائد ألسنتهم”. إن حفظ اللسان سبيل الفلاح في الدنيا والآخرة.
فعلينا أن نتزود من الدنيا بالأعمال والأقوال والذكر الصالح، ونتخلق بالأخلاق والأقوال الحسنة، بعيدين عن الأخلاق والأقوال السيئة، وأن نتخذ من رسولنا – صلى الله عليه وسلم – قدوة وأسوة، وأن نجعل ألسِنَتِنَا رطبة بذكر الله وتلاوة كتابه، وهذبناها بالتقوى، وصناها وحفظناها من الأقوال والألفاظ السيئة.
فاللهم ألهمنا الرشاد، وارزقنا لسانا ذاكرا، وبالنفس وعيوبها منشغلا، وعن أعراض الناس معرضا. ولنعمل على تزكية النفس وتطهيرها والارتقاء بها، ولنراقبها وننقلها من النفس الأمارة إلى اللوامة إلى أن تصبح مطمئنة ” يأيتها النفس المطمئنة ارجعي إلى ربك راضية مرضية فادخلي في عبادي وادخلي جنتي” . فكم من قائم الليل سمته حسن، حريص على الصف الأول والجماعة، لكنه غير مقيد للسانه، حتى أهلكه المهالك، وجعله من المفلسين قال عليه السلام” أتدرون من المفلس … الحديث”
علينا أن نعتق رقابنا من النار بالفرار إلى ربنا واللجوء إليه والاعتراف بالذنب بين يديه، قال تعالى ” ففروا إلى الله إني لكم منه نذير مبين” كما وجب أن نغدو عتقا للنفس من ما ينتظرها قال صلى الله عليه وسلم الطهور “شطر الإيمان والحمد لله تملأ الميزان وسبحان الله والحمد لله تملآن أو تملأ ما بين السماوات والأرض والصلاة نور والصدقة برهان والصبر ضياء والقرآن حجة لك أو عليك كل الناس يغدو فبايع نفسه فمعتقها أو موبقها”.