رأي

 رأيي في التعديلات المقترحة على قانون مدونة الأسرة (15) : الوصية للأحفاد مهما نزلوا / ح1 

الدكتور أحمد كافي

الوصية الواجبة:

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

هي نصيب من التركة في حدود الثلث يصرف للحفدة الذين مات أبوهم قبل جدهم أو معه. فيُعطى لهم هذا المقدار حماية لهم من أعمامهم(إخوة أب الأحفاد) الذين فسدت قيمهم إلى درجة عدم الالتفات إلى مصالح هؤلاء الحفدة. ولم يسم هذا النصيب إرثا لأن قواعد الإرث أن الأبناء يحجبون الحفدة عند وجودهم معهم.

دليل الوصية الواجبة:

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

وأعظم أدلتهم النقلية قوله تعالى:﴿ كتب عليكم إذا حضر أحدكم الموت إن ترك خيرا الوصية للوالدين والأقربين بالمعروف حقا على المتقين﴾[البقرة:180].

بناء على تأويل من اعتبر الآية محكمة غير منسوخة، وأنها واجبة. وهو قول بعض الأئمة، منهم: مسروق، وطاوس، وقتادة، والزهري، وعطاء. وهو قول الظاهرية: داود وابن حزم. قال ابن حزم رحمه الله تعالى:” فرض على كل مسلم أن يوصى لقرابته الذين لا يرثون”( ).

لا سند للوصية الواجبة:

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

وإذن، فنحن أمام وصية لقريب من غير انتظار موافقة باقي الورثة عليها. صحيح أن هذا القريب(الأحفاد) غير وارث، ولكنه في الوقت نفسه غير موصى له من طرف الهالك بشيء. وهذا ما دفع كثيرات من أهل العلم مشرقا ومغربا إلى التأكيد على انعدام سندها الفقهي، وأن ما عُدّ مستندا لها كان بتكلف ومبالغة. يقول الشيخ محمد مصطفى شلبي:” والمذكرة التفسيرية عند شرح هذا النوع من الوصية(يقصد الوصية الواجبة) بينت الحكمة في تشريعها، كما بينت سند هذا التشريع من النصوص وآراء الفقهاء، وحاولت أن تسند كل حكم من تلك الأحكام إلى رأي فقيه من الفقهاء، ولكن واضعيها تكلَّفوا في هذا الإسناد كثيرا“( ).

ومنهم من أطلق عليها: لغز الوصية الواجبة.

دلالة آية البقرة لا تفيد(1):

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

فإن جمهور أهل العلم يعتبرون الآية منسوخة، فكيف تم تجاوز نسخها. قال ابن كثير:” اشتملت هذه الآية الكريمة على الأمر بالوصية للوالدين والأقربين. وقد كان ذلك واجبا ـ على أصح القولين ـ قبل نزول آية المواريث، فلما نزلت آية الفرائض نسخت هذه، وصارت المواريث المقدرة فريضة من الله، يأخذها أهلوها حتما من غير وصية ولا تحمل منة الموصي… والعجب من أبي عبد الله محمد بن عمر الرازي رحمه الله كيف حكى في تفسيره الكبير عن أبي مسلم الأصفهاني أن هذه الآية غير منسوخة… فأما من يقول: إنها كانت واجبة ـ وهو الظاهر من سياق الآية ـ فيتعين أن تكون منسوخة بآية الميراث، كما قاله أكثر المفسرين والمعتبرين من الفقهاء؛ فإن وجوب الوصية للوالدين والأقربين الوارثين منسوخ بالإجماع. بل منهي عنه للحديث المتقدم:” إن الله قد أعطى كل ذي حق حقه فلا وصية لوارث”. فآية الميراث حكم مستقل، ووجوب من عند الله لأهل الفروض وللعصبات، رفع بها حكم هذه بالكلية”( ).

دلالة آية البقرة لا تفيد(2):

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

وإننا إذا تجاوزنا المستند الشرعي المتعلق بالآية الكريمة من سورة البقرة وأنها منسوخة، وذهبنا إلى قول من قال بأنها محكمة، نجد بونا شاسعا بين حكمها وما استندت إليه الوصية الواجبة:” فالآية توجبها للوالدين غير الوارثين وللأقربين، والقانون يتناسى الوالدين ويقصر الأقربين على الحفدة“( ).

وبه كان المستند متكلفا وغامضا في بعض حالاته، وليس للقائلين بها سلف في القول بها على ما هي عليه. يقول الشيخ شلبي:” ولعل واضعي مشروع القانون حينذاك نظروا للحفدة…بعين عاطفة وأخرى مشفقة…فلم يجدوا أمامهم إلا باب الوصية فولجوه بحاثين عما يحقق غرضهم، فوجدوا في أقوال بعض الفقهاء ما يصلح سندا لهم فيما ذهبوا إليه، فلفَّقوا وتكلفوا في النسبة حتى خرج التشريع آخر الأمر على وضع فيه غموض في بعض صوره”( ). وأكد على انعدام سلف في القول بها، فقال:” إن الوصية الواجبة عند من يقول بها…إنما قدَّرها واضعو مشروع القانون باجتهادهم، من غير أن يكون لهم سند واضح من نص شرعي، أو قول فقيه من الفقهاء“( ).

رفض علماء المغرب للوصية الواجبة بشكلها الحالي:

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

والذي تقصر حكمها والانتفاع بها على الحفدة دون غيرهم. ففي تقرير الأعمال التحضيرية لمدونة الأسرة، وهو يثبت موقف العلماء منها، نجدهم يقولون:” إن التبريرات التي يستند إليها المتمسكون بالوصية الواجبة كما وردت في المدونة لا تستند على أسس شرعية قوية، سواء في مبدإ إيجادها، أو فيما يتعلق بقصرها على الأحفاد، أو في الادعاء بأنها تحقق مصلحة اجتماعية غفل عنها الفقهاء من جميع المذاهب طيلة القرون الماضية، مع أنها ـ بالعكس من ذلك ـ بقصرها على الأحفاد دون غيرهم، أدت إلى تفويت كثير من المصالح التي كانت الوصية الإرادية تحققها للحفدة ولغيرهم، ممن يرى الموصي أنه أحوج للوصية من هؤلاء الحفدة”( ).

وجاء أيضا:” تخصيص الأحفاد بهذه الوصية ليس له أي مبرر مشروع، ولا يضمن تحقيق الهدف من الوصية، الذي هو سد الحاجة للموصى له، وتحقيق مصلحة اجتماعية.

فهذا لا مستند له من القرآن أو السنة، ولا من غيرهما من مصادر التشريع…كما فعل أصحاب الوصية الواجبة “( ).

وجاء أيضا:” الوصية الواجبة لا يستند فرضها إلى حجة مقبولة“( ).

وهو نفس ما ذهب إليه الدكتور محمد رياض، إذ قال:” إن فرض أحكام الوصية الواجبة بهذا الأسلوب ـ ضمن مدونات الأحوال الشخصية الآنفة الذكر، ومنها مدونة الأحوال الشخصية المغربية، ليس له من الأساس الشرعي المتين ما يضفي عليه صفة القبول“( ).

وهو نفس رأي الشيخ محمد التاويل أحد أعضاء اللجنة الملكية الذين كلفوا بإخراج مدونة الأسرة، حيث قال:” إن هذه الوصية في شكلها القانوني المعمول به، مخالفةٌ للكتاب، والسنة، والإجماع، والقياس، والاستصحاب، والأثر، والنظر( ).

الترجيح بإحكام آية البقرة وأحكامها:

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

والذي يترجح عندي في آية سورة البقرة المتعلقة بوجوب الوصية للوالدين والأقربين، ما يلي:

1ـ أنها محكمة غير منسوخة:

ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ

قال الطبري:” فإن قال: فإنك قد علمت أن جماعة من أهل العلم قالوا: الوصية للوالدين والأقربين منسوخة بآية الميراث؟
قيل له: وخالفهم جماعة غيرهم فقالوا: هي محكمة غير منسوخة. وإذا كان في نسخ ذلك تنازع بين أهل العلم، لم يكن لنا القضاء عليه بأنه منسوخ إلا بحجة يجب التسليم لها“( ).
ومن القائلين بأن آية الوصية محكمة: الضحاك، ومسروق، والشعبي، والحسن البصري، وطاووس…وهو اختيار الطبري، والفخر الرازي…وغيرهم.

2ـ عدم صحة دعوى النسخ:

ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ

من جهات متعددة، وهي:

أ ـ فمن قال بأن الناسخ لها الإجماع: فقد رد بأن النسخ لا يقع بعد زمن النبوة بإجماع أهل العلم أو الناس على ذلك. قال أبو بكر بن العربي المعافري:” وأما من قال نسخهَا (آية الوصية) إجماعُ الأمة، فقد اتفق علماؤنا على أن الإجماع لا ينسخ، لأنه ينعقد بعد موت النبي صلى الله عليه وسلم، وتجديد شرع بعده لا يتصور”().
وقال مكي بن أبي طالب:” نسخ القرآن بالإجماع: وعلى منعه أكثر العلماء… والمشهور عن مالك وأصحابه منعُ نسخ القرآن بالإجماع…هكذا ذكر البغداديون المالكيون في أصولهم”( ).

ب ـ ومن قال نسختها آية المواريث: فقد رد بانعدام التأريخ، فإنه لا أحد بقادر على أن يجزم بأسبقية آية الوصية على آية المواريث أو العكس. قال الأستاذ الإمام:” إنَّهُ لا دَلِيلَ عَلَى أَنَّ آيَةَ الْمَوَارِيثِ نَزَلَتْ بَعْدَ آيَةِ الْوَصِيَّةِ”( ). والنسخ لا يقال فيه بالرأي والاجتهاد، وإنما يعول فيه على التاريخ، وهو منعدم هنا.

ج ـ ومن قال نسختها حديث:( لا وصية لوارث): فقد رد هو أيضا بأنه خبر آحاد، والآحاد لا يقوى على نسخ المتواتر. وهكذا فإن الظني لا ينهض حجة لنسخ القطعي. كما رد بعدم رجحان صحته. يقول ابن العربي:” وأما من قال إنه نسخها (لا وصية لوارث) فنقول بذلك لو كان خبرا صحيحا متواترا، حتى يماثل الناسخ المنسوخ في العلم والعمل كما شرطناه، بيد أنه ليس له في الصحة أصل”( ). ولهذا قال فيه الخطابي: وفي إسناده ما فيه”( ).

(يتبع إن شاء الله تعالى)

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى