مجتمع

إدريس الكنبوري: عندما يفقد الإعلام العمومي بوصلته، يصبح السؤال عن الهوية ترفًا في زمن التوجيه المسبق

اطلالة بريس

نشر الدكتور إدريس الكنبوري مقالًا تعليقًا على إعلان برنامج “روحانيات” الذي سيقدمه محمد عبد الوهاب رفيقي، المعروف بـ”أبي حفص”، على القناة المغربية الأولى خلال شهر رمضان المقبل. في مقاله، يعبر الكنبوري عن استغرابه لهذا الاختيار، ليس بسبب شخص مقدم البرنامج، ولكن بسبب ما يعتبره اختلالًا في توجيه الإعلام العمومي بالمغرب، وهيمنة توجهات معينة على برامجه. ويرى أن القضية تتجاوز مجرد برنامج تلفزيوني، لتطرح إشكالية أعمق تتعلق بتوظيف الإعلام العمومي في رسم صورة لا تعكس هوية المجتمع المغربي وتوجهاته. فهل يعكس هذا البرنامج تحولًا في طبيعة المحتوى الديني بالإعلام الرسمي؟ وهل المجلس العلمي الأعلى وافق عليه، أم أنه أصبح مجرد واجهة رمزية؟ تساؤلات يثيرها الكنبوري، في سياق نقده لما يعتبره احتكارًا للمنابر الرسمية وتوظيفها لخدمة أجندات بعيدة عن تمثيل التنوع الفكري الحقيقي في البلاد.واليكم نص المقال :

يستعد محمد عبد الوهاب رفيقي المعروف بأبي حفص لتقديم برنامج تحت اسم “روحانيات” على القناة المغربية الأولى في شهر رمضان المقبل. خبر لم يفاجئني لأن المفاجآت في المغرب كثرت حتى أصيب الحس بالتبلد، وأصبح المواطن المغربي مثل خراش الذي قال فيه الشاعر:
تكاثرت الظباء على خراش
فما يدري خراش ما يصيد.
إنما يتعين وضع الهموم مكان الظباء.
لدي علاقة احترام مع الأخ أبي حفص، ولكن رأيي لا يمس بشخصه الكريم، فليس هو من يتحكم في الإعلام العمومي وليس هو من اختار نفسه حتى نلومه.
لو كان البرنامج على القناة الثانية لكان الأمر مقبولا على الأقل، لأنها قناة معروفة التوجه، أما أن يكون في القناة الأولى فهذا غريب، لأنها قناة أكثر رسمية وأكثر محافظة من القناة الثانية، وهي على الأقل تمثل الوجه التقليدي مقابل الوجه الحداثوي الذي تمثله القناة الثانية. كلمة تقليدي هنا المقصود بها أكثر من الفولكلور وأقل من الالتزام.
القضية هنا هي قضية احتكار الإعلام العمومي في المغرب، وقضية تجنيد هذا الإعلام لكي يؤدي دورا سلبيا في توجيه المجتمع، فقد أصبح الإعلام العمومي في السنوات الأخيرة مرتعا لكل من يعادي الهوية المغربية، وأصبح مغلقا إلا في وجوه التافهين بالمعنى الحرفي الجاف للكلمة، مع التحفظ على الأسماء، علما بأن هذه الأسماء لم تختر نفسها، ولسنا شعبويين حتى نلومها، فلا أحد يأتي إليك إذا لم تناد عليه.
ولكن الإعلام العمومي يمول من أموال الشعب، فلماذا لا تجد هوية الشعب نفسها فيه؟ سؤال لا محل له، فالدولة تمنح الأحزاب السياسية تمويلات سخية من المال العام ومع ذلك تتنكر للمواطن عندما تصل إلى السلطة؛ وهي تمارس الكذب في الانتخابات كما يمارسه الإعلام العمومي. الأمر عادي.
المعروف أن البرامج الدينية في الإعلام العمومي تمر عبر المجلس العلمي الأعلى الذي يرأسه الملك كأمير للمؤمنين، لأن الكلام في الدين بالمغرب مؤطر، نظريا فقط، فهل منح المجلس تزكية لهذا البرنامج؟ وما هي المعايير التي اعتمدها؟ وهل تفتقد المجالس العلمية التي يجاوز عددها الثمانين إلى أشخاص يمكن أن يقدموا برنامج روحانيات، أم أن شغل المجلس هو الماديات؟.
هل نفهم من هذا أن المجلس العلمي الأعلى أصبح متجاوزا ومجرد ديكور؟ يبدو هذا هو الصحيح، وقد بين النقاش حول مدونة الأسرة أن المجلس لم يكن له دور وازن، ومن غرائب الوقت أن العلمانيين هم من صاروا يدافعون عنه في دفاعهم عن تعديلات المدونة؛ إذ يبدو أن المجلس صدق كلام وزير الأوقاف حول العلمانية فأسرع إليها قبل أن تسرع إليه، إعمالا للاجتهاد الاستباقي.
قلنا عشرات المرات إن هناك من يترصد لإمارة المؤمنين، ونحن نعرف جيدا الاستراتيجية التي تشتغل ونقرأ ما تحت السطور وما خلفها، ولم نتعلم في المدرسة المغربية لكي يضحك علينا من يضحك.
قد يقول البعض إن من حق رفيقي أن يعبر عن رأيه، وهذا صحيح تماما، لكن الإعلام العمومي ملك للجميع، نظريا فقط. لقد نص الدستور الجديد على أن الدولة تضمن التعددية في الإعلام العمومي، ولكن المشرفين عليه فهموا التعددية كتنويع بين الطرب الشعبي والطرب العصري والكمنجة والبندير، ولذلك ما زلنا في حاجة إلى تفسير ديمقراطي للدستور.
ليس لدينا مشكل في أن يعبر الناس عن آرائهم في قنوات اليوتيوب مثلا، وهم يفعلون ذلك بكل حرية ومنهم رفيقي نفسه، ولكن احتكار الإعلام العمومي وفتحه في وجوه البعض دون البعض مناف للدستور وللديمقراطية ولحقوق الإنسان وللإسلام وللمواثيق الدولية وللإعلان الفرنسي لحقوق الإنسان والمواطن وللإعلان الأمريكي لحقوق وواجبات الإنسان الصادر عام 1948.
كلمة أخيرة: ارحمونا فإنكم مسؤولون!

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى