رأيي في التعديلات المقترحة على قانون مدونة الأسرة (16: الوصية للأحفاد مهما نزلوا / ح2
الدكتور أحمد كافي

الأمير الصنعاني:
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ناضل رحمه الله تعالى في الدفاع عن إحكام الآية، وأن الوصية للوالدين والأقارب جائزة وإن كانوا وارثين، وأن ذلك لا يتوقف على قيد إجازة باقي الورثة لها. بناء على ما سبق، وعلى أدلة أخرى كثرة بيَّنها وأسهب في الإتيان بها. وذلك في رسالتين مشهورتين.
الدليل العميق المرجح للقول بالوصية الواجبة:
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وبعد تتبع طويل للموضوع، وتقليب للنظر فيه، تبين لي أن أعمق دليل وأقواه في الموضوع، ولم أر من ذكره من المناصرين للوصية الواجبة أو حام حوله. هو أن حق الورثة الأصلي ليس في التركة كلها، وإنما هو في الثلثين فقط. فهذا حقهم الشرعي، وأما الثلث فحق صاحب المال، أُعطي له شرعا ليحقق به رغبته في الخير، واستدراك ما فاته، أو الزيادة في ميزان حسناته.
فليس للورثة حق في جميع المال، وإنما لهم الحق في ثلثيه. والثلث لصاحب المال، أعطاه الشرع إياه، وفي هذا الحد، ليتصرف فيه بالوصية على وفق ما يحقق مصالحه الأخروية خاصة.
فإذا قام صاحب المال بممارسة حقه في الثلث، فلا حق لأحد في منعه من هذا التصرف شرعا. وإذا لم يتصرف فيه، فهل يمكن القول بأن لولي الأمر أن يأخذ مكانه للتصرف فيه على الوجه الذي تقتضيه المصلحة، كما هي القاعدة: التصرف على الرعية منوط بالمصلحة. وقد اعتمدت المذكرة التفسيرية للقانون السوري على قاعدة: إن أمر الإمام بالمندوب أو المباح يجعله واجبا. وهو قول كثير من أهل العلم. قال ابن حزم:” وإذا قسم الميراث، فحضر قرابة للميت أو للورثة أو يتامى أو مساكين ففرضٌ على الورثة البالغين، وعلى وصي الصغار، وعلى وكيل الغائب، أن يعطوا كل من ذكرنا ما طابت به أنفسهم مما لا يجحف بالورثة، ويُجْبِرهم الحاكم على ذلك إن أبوا، لقول الله تعالى:﴿ وإذا حضر القسمة أولوا القربى واليتامى والمساكين فارزقوهم منه وقولوا لهم قولا معروفا﴾، وأمر الله تعالى فرض لا يحل خلافه، وهو قول طائفة من السلف“( ).
تصحيح الوصية الواجبة(1):
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
لقد تم تخصيص قسم كامل للوصية الواجبة في مدونة الأسرة، ويحتوي على أربعة مواد، وهي: المادة: 369 ـ 370 ـ 371 ـ 372.
هذه المواد الأربعة هي أربعة في أول تقنين للوصية الواجبة في مصر، وقريب منها باقي مدونات الأحوال في العالم العربي والإسلامي، الذين اختاروا حكم الوصية الواجبة قانونا للعمل به. فيجب أن تخضع للتصحيح كما كانت مطالب العلماء منذ أول ظهورها والعمل بها مع القانون المصري رقم:71، لسنة 1946م في المواد الأربعة: 76 ـ 77 ـ 78 ـ 79.
تصحيح الوصية الواجبة(2):
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وإذا نحن قمنا بتصحيح الوصية الواجبة بأن لا تحصر في الأحفاد بل تشمل جميع من ذكرتهم الآية التي استندوا عليها في القول بالوصية الواجبة، ألا وهي قوله تعالى:﴿ كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ إِنْ تَرَكَ خَيْراً الْوَصِيَّةُ لِلْوالِدَيْنِ وَالأقْرَبِينَ بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِينَ فَمَنْ بَدَّلَهُ بَعْدَ مَا سَمِعَهُ فَإِنَّمَا إِثْمُهُ عَلَى الَّذِينَ يُبَدِّلُونَهُ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ﴾[البقرة: 180ـ181]. فقد وقع التوفيق في قولها ودليلها.
وقد اختلف الفقهاء في تأويل الآية على ثلاثة، وهي:
القول الأول: إن الآية محكمة غير منسوخة في أي حكم من أحكامها.
القول الثاني: إن أحكام الآية كلها منسوخة بآيات المواريث بعد نزولها.
القول الثالث: إن الآية غير منسوخة فيمن يرث من الأقارب والوالدين، منسوخة في فيمن يرث من هؤلاء.
وأصحاب القول الثاني يمنعون الوصية الواجبة، والقولان الآخران لا يمانع أصحابه من الوصية الواجبة.
ومما نلاحظه على تشريع الوصية الواجبة في مدونة الأسرة وغيرها من مدونات الأحوال في العالم العربي والإسلامي التي تشابهت في تشريعها، ما يلي:
1ـ أنها وصية للأقربين( غير أنهم حصورا الاستفادة منها على الأحفاد فقط. وهذا تعسف ظاهر على منطوق الآية من سورة البقرة التي ذكر بصريحها:﴿ الْوَصِيَّةُ لِلْوالِدَيْنِ وَالأقْرَبِينَ بِالْمَعْرُوفِ﴾).
2ـ أنها في حدود الثلث في الأقصى، وهو شـأن الوصايا عموما.
3ـ أن لا حق لوارث في الاعتراض عليها قبولا أو فرضا.
تصحيح الوصية الواجبة(3):
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وحيث وقع التكلف لمستند الوصية الواجبة بما بيناه، فإن الاستفادة منها من غير تكلف يجب أن تكون لأفراد الأسرة جميعهم ممن يحتمل تعرضهم للتشريد، برفع حصتهم من التركة، من أجل ضمان استقرارهم، وعدم إفزاعهم من بعض مطالبة العصبة في هذا الباب. وهذا التعديل للوصية الواجبة كان مقترحا لكثير من أهل العلم توسيعا منهم لما هي عليه عند القائلين بذلك. قال الشيخ شلبي:” إننا ما دمنا قد استندنا إلى الآية على اعتبار أنها محكمة في إيجاب الوصية لغير الوارثين من الأقرباء، فلا معنى لقصرها على فريق دون آخر، ما داموا متساوين في الحاجة والعوز…إننا نأمل إلحاق تشريع الوصية الواجبة بتشريع آخر مكمل له…يتخطى بها حدود الحفدة، فيصل نفعها لمن هم في أمس الحاجة إليها من المحتاجين الذين تربطهم صلة من القرابة القريبة”( ).
وهذا التعديل هو الذي سوف يحقق مطالب أهل العلم من جميع الأمصار والأقطار ومنها المغرب. ويجعل لها وجها في الشريعة مقبولا، كما قال الشيخ شلبي:” وقد كان على واضعي مشروع القانون(قانون الوصية الواجبة) أن يستجيبوا لما وُجِّه إلى هذه الوصية من نقد، ويعملوا على إعادة صياغة تشريعها على وجه تسلم معه من كل نقد وجيه وُجِّه إليها( ).
وأرى أن يكون حكم الوصية الواجبة باتساع مضمونها من غير قصرها على الحفدة، مدخلا لحماية الأسرة بشرطين:
الأول: أن تكون في حدود الثلث.
ثانيا: أن تكون لأسرة الهالك المعوزة أو التي يخاف عليها الضيعة، ومعيار العوز أن لا يكون عندها إلا سكن رئيسي تنتفع به.
ولا مانع من أن تكون هذه الوصية في حدود الثلث ساعتها. فيستفيد أهل الميت منها بما يريحهم من مشكلات العاصب، مادام الأمر يتعلق بالثلث الذي ليس حقا للورثة أصلا، وما دام هذا القول المتعلق بالوصية الواجبة قول طائفة من السلف كما قرر ابن حزم آنفا. فلا نقصر الوصية على الحفدة، بل نضم إليهم جميع أفراد أسرة الهالك وأقاربه أيضا. قال العلامة علال الفاسي:” فإذا فتحنا باب الاستحسان، وقلنا بالوصية الواجبة، لكان علينا أن نعمم حكمها على من يستحقها من الأقارب، وخاصة المعوزين منهم، وذوي الحاجة، كما جاء في تعليل الأخذ بها في تقرير المدونة“( ).
الخلاصة:
ــــــــــــــــــــــــــــــــ
وبهذا المقترح، نُمكن الأسر المتضررة من القسمة عند وجود العصبة الذين يلحون في طلب نصيبهم، بأن نجعل لها الحماية التي أعطيت للحفدة من مدخل الوصية الواجبةغير قاصرة عليهم، فتشمل بالإضافة إليهم، زوجات الهالك وبناته، فيستفيدون من ثلث الوصية الواجبة مضافا إلى نصيبهم الإرثي، وذلك بحكم قضائي للتأكد من حضور العوز في الأسرة، وأنها سوف تتعرض للتضييق إن تمت القسمة، فنضيق على طلب العاصب إن أراد التضييق عليهم، ونحمي الحفدة أيضا. والله أعلم.
(يتبع إن شاء الله تعالى)