رأي

من يوقف جنون ترامب؟

بقلم: عبد الرحيم مفكير

لعل الذين عايشوا رجلا من طينة ترامب يعلمون علم اليقين، ” أن الذي يجد الربح في الحمق، ما الذي يفيده استخدام العقل” ، وهو مثل دارج على ألسنة المغاربة. وقد اعتبر البعض أن الرجل واضح يقول ما يؤمن به، وما يفكر فيه، رجل لا يعرف إلا عبادة المال، وهدفه الحصول على المزيد من المال، وابتزاز كل الرؤساء الخانعين والمنبطحين، وهذا بدا جليا حتى قبل أن يتقلد منصب الرجل الأول على رأس أقوى دولة في العالم تريد أن تخضع الكل. يلقي الكلام على عواهنه، يأمر، ويطلب، ويخطط، ويرسم معالم خريطة العالم من جديد، فيتوجه بالخطاب لملك الأردن ومصر كي يستقبلوا من يعتقد أنه من السهل تهجيرهم من أرضهم، بالرغم من أنه رأى بأم عينه طوفان العودة في أول يوم من بداية الهدنة، وأراد أن يخفي هذه الحقيقة التي رسمها شعب الجبارين. وقد قدموا درسا عظيما في الصمود والإباء للعالم، إنه الانتماء للأرض، والثبات على المبادئ، والصبر عل الأذى، وتحمل الإبادة الجماعية التي انتهجها الكيان الغاصب بمباركة وحيد القرن أمريكا ودول أوربية انحازت للطغيان، وتبددت معها ادعاءاتها في الدفاع عن حقوق الإنسان، وسقطت الأقنعة.
ترامب المغرور والمتكبر يريد أن يبسط هيمنته على فلسطين وتسليمها للمحتل اللقيط، وتوعد بحرق غزة فجاءه الحريق الإلهي بجنود لا قبل له بها. احترقت فلوريدا وكاليفورنيا، وبدأ يستنجد بمن حاربهم ويحاربهم لتعويض الخسائر الكبيرة.
ولم يقف طمعه عند التهديد بل أراد ضم كند إلى بلده، لتصبح ولاية أمريكية طيعة هينة لينة، وزاد من حمقه حينما عبر عن رغبته في ضم جزيرة غرينلاند من الدنمارك، وتغيير اسم الخليج المكسيكي إلى “الخليج الأميركي”. وأمام هذا الجنون ” المعقلن” وجه رئيس كولوميا رسالة قاسية لترامب أكد فيها أنه سيقاوم غطرسة الولايات المتحدة حتى لو كان ثمن ذلك انقلابا عسكريا. وتأتي الرسالة على خلفية أزمة في العلاقات بين البلدين اندلعت بعد أن حاولت واشنطن ترحيل مهاجرين غير نظاميين كولومبيين مقيدين بالسلاسل إلى بلادهم على متن طائرات عسكرية. ورفضت كولومبيا استقبال هذه الطائرات الأميركية في البداية، ليخصص الرئيس بيترو طائرته الرئاسية لاحقا لنقل المهاجرين بصورة مشرفة. وخاطب الرئيس اليساري بيترو نظيره الأميركي اليميني في بداية الرسالة قائلا “ترامب، أنا لا أحب السفر إلى الولايات المتحدة كثيرا، فهو شيء ممل قليلا، لكنني أعترف بأن هناك بعض الأشياء الجديرة بالثناء، أحب الذهاب إلى أحياء واشنطن السوداء، وقد رأيت هناك شجارا كاملا في العاصمة بين سود ولاتينيين بمتاريس، وبدا لي أن الأمر سخيف لأنه أحرى بهم أن يتّحدوا”.
وتابع “لا أحب نفطك، وسأقاوم غطرستكم، لا أحب نفطك يا ترامب، ستقضي على النوع البشري بسبب الجشع، ربما يأتي يوم ومع كأس من الويسكي الذي أتقبله رغم معاناتي من التهاب المعدة يمكننا التحدث بصراحة عن هذا الأمر، لكن ذلك يبدو صعبا لأنك تعتبرني من عرق أدنى، وأنا لست كذلك، ولا أي كولومبي آخر”. وأضاف بيترو مواصلا انتقاداته اللاذعة لترامب “إذا كنت تعرف شخصا عنيدا على وجه الأرض فأنا هو، نقطة، يمكنكم عبر قوتكم الاقتصادية وغطرستكم أن تحاولوا تنفيذ انقلاب ضد كما فعلتم مع (الرئيس التشيلي السابق) سلفادور أليندي (1908-1973)، لكنني سأموت على مبدئي، قاومت التعذيب وسأقاومك أيضا”. ومضى يقول “لا أريد مستعبِدين بجوار كولومبيا، فقد كان لدينا الكثير منهم وتحررنا، ما أريده بجوار كولومبيا هم عشاق الحرية، إذا كنت لا تستطيع أن تكون واحدا منهم فسأتوجه إلى أماكن أخرى، كولومبيا هي قلب العالم، وأنت لم تفهم هذا، إنها أرض الفراشات الصفراء وجمال ريميديوس، ولكنها أيضا أرض العقيد أوريليانو بوينديا وسلالته، وأنا واحد منهم، وربما الأخير”.
وفي إشارة إلى تاريخ بلاده، أكد بيترو أن “كولومبيا الآن تتوقف عن النظر إلى الشمال، وتنظر إلى العالم، دماؤنا تأتي من خلافة قرطبة التي كانت في وقتها رمزا للحضارة، ومن الحضارة الرومانية المتوسطية التي أسست الجمهورية والديمقراطية في أثينا، دماؤنا تحمل في طياتها صمود السود الذين حُوّلوا إلى عبيد على أيديكم، في كولومبيا توجد أول أرض حرة في الأميركتين، قبل واشنطن، في كل أميركا، هناك أجد ملاذي في الأغاني الأفريقية”.
وفي السياق نفسه خاطبت رئيسة المكسيك كلوديا شينباوم ترامب :
« إذن، لقد صوتتم لبناء جدار … حسنًا، أيها الأمريكيون الأعزاء، حتى لو كنتم لا تفهمون الكثير عن الجغرافيا، حيث أن أمريكا بالنسبة لكم هي بلدكم وليست قارة، فمن المهم أن تكتشفوا، قبل وضع أولى الطوب، أن هناك، خارج هذا الجدار: 7 مليارات شخص.
لكن بما أنكم لا تعرفون حقًا مصطلح “أشخاص”، فسوف نسميهم “مستهلكين”. هناك 7 مليارات مستهلك مستعدون لاستبدال أجهزة iPhone الخاصة بهم بأجهزة Samsung أو Huawei في أقل من 42 ساعة.
يمكنهم أيضًا استبدال Levi’s بـ Zara أو Massimo Duti.
في أقل من ستة أشهر، يمكننا بسهولة التوقف عن شراء سيارات Ford أو Chevrolet واستبدالها بـ Toyota أو KIA أو Mazda أو Honda أو Hyundai أو Volvo أو Subaru أو Renault أو BMW، وهي أفضل من الناحية الفنية من السيارات التي تنتجونها.
يمكن لهؤلاء 7 مليارات شخص أيضًا التوقف عن الاشتراك في Direct TV، ولا نرغب في ذلك، ولكن يمكننا التوقف عن مشاهدة أفلام هوليوود والبدء في مشاهدة المزيد من إنتاجات أمريكا اللاتينية أو الأوروبية التي تتمتع بجودة ورسالة وتقنيات سينمائية ومحتوى أفضل.
على الرغم من أن الأمر قد يبدو لا يصدق، يمكننا تخطي Disney والذهاب إلى منتزه Xcaret في كانكون أو المكسيك أو كندا أو أوروبا: هناك وجهات ممتازة أخرى في أمريكا الجنوبية والشرق وأوروبا.
وحتى لو كنت لا تصدق ذلك، حتى في المكسيك، توجد همبرغر أفضل من همبرغر McDonald’s ويحتوي على محتوى غذائي أفضل.
هل رأى أحد أهرامات في الولايات المتحدة؟ في مصر والمكسيك وبيرو وغواتيمالا والسودان ودول أخرى، توجد أهرامات ذات ثقافات لا تصدق.
اكتشفوا أين توجد عجائب العالم القديم والحديث … لا يوجد أي منها في الولايات المتحدة … يا للأسف على ترامب، كان سيشتريها ويبيعها!
نحن نعلم أن Adidas موجودة وليس فقط Nike ويمكننا البدء في استهلاك أحذية التنس المكسيكية مثل Panam. نحن نعرف أكثر مما تعتقدون.
نحن نعلم، على سبيل المثال، أنه إذا لم يشتر هؤلاء 7 مليارات مستهلك منتجاتهم، فستكون هناك بطالة وسينهار اقتصادهم (داخل الجدار العنصري) لدرجة أنهم سيتوسلون إلينا لهدم الجدار المشؤوم.
لم نكن نريد ذلك، لكن … أنتم أردتم جدارًا، ستحصلون على جدار. مع خالص التقدير.»
أقول: لقد استطاع هؤلاء العظماء من الذين يرفضون الاستعباد الوقوف أمام الطواغيت والمتغطرسين، وقدم أهل غزة أروع الدروس في المصابرة والمرابطة والعزة وعشق الحرية لعل بعض الخانعين يستفيقوا من غفلتهم وينتصروا لشعوبهم ويحافظوا على كرامتهم وعزتهم وإبائهم إن بقي لهم منها شيء. وما لم ينتفضوا على المتغطرسين فسيبقون عبيدا لهم ولن تنفعهم أموالهم ولا كراسيهم التي هي عروش من كرطون.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى