
يتموقع النضال كممارسة أساسية في حياتنا ضمن منظومة الحقوق والواجبات التي تؤطر مختلف المسارات الحياتية والمهنية. يناضل المرء لكي يحسن من وضعيته الحاضرة والمستقبلية ويحقق كذلك الحد الأدنى من المطالب المشروعة والمكتسبة و تكون له حقوق مقبولة تضمن له الانخراط بشكل مشرف و كريم في حياته اليومية و المهنية و الاجتماعية.
لكن ينسى الشخص منا انه عليه كذلك أن يناضل من أجل ان يؤدي مهمته الاجتماعية والمهنية بقدر كبير من الصدق و الشفافية و الأمانة، وان يقوم بواجبه كما ينبغي على الرغم من الأعباء الثقيلة و القيود والاكراهات التي تحوم حول هذا الواجب، وأن يتصف بالنضالية في المثابرة و الصبر والتحمل على أداء المهام المنوطة به.
لقد بات أن نتكلم اليوم عن النضال في الواجبات لأن مقتدى التوازن المنطقي يفرض علينا ان نناضل في الواجبات كما نناضل ونقبل على أنفسنا النضال في الحقوق.
فماذا نقصد بالنضال في الواجبات؟ وما أهمية هذا النوع من النضال؟ وماهي تجلياته؟ وكيف نضع له أرضية واضحة ودائمة لممارسته في حياتنا المهنية؟
النضال في الواجبات سلوك يتميز به المناضل الذي يقوم بآداء مهامه، بل هو سيرة تتماشى مع نمط القيام بالمسؤوليات في الحياة المهنية على الخصوص. وهو يشكل أهم محطة من محطات العمل المسؤول ،فهو انتصار للمسؤولية و الواجب المهني لأنه يجعل صاحبه حريصا على آداء واجبه بروح من الصدق رافعا شعار “الواجب واجب و الحق مطلوب “وذلك بغية تحقيق النجاح في الحياة المهنية .
إن النضال في الواجبات ليس مجرد التزام يجب القيام به، بل هو ممارسة بنائية تسهم في صنع شخصية الفرد وتشكيلها وتمكينه أي هذا الفرد من مواجهة تحديات الحياة. ويتجلى النضال في الواجبات في الحياة الإنسانية انطلاقا من المسؤوليات الصغيرة التي تنتاب الشخص منذ سيرورته الحياتية سواءا كان متعلما أو طالبا او موظفا او مكلفا بمهمة ما. يقول الكاتب و المفكر الألماني برتولت برشيت ” من يناضل ربما يخسر ومن لم يناضل فهو خاسر بكل الأحوال “.
هذه القاعدة تبنى على أسس كثيرة من بينها: التربية والتنشئة والتعلم والتأطير والتجارب والتواصل وتدبير الأزمات و الوضعيات اليومية والمشاكل وحلها والتدافع القائم على بناء التموقع بموازاة الخط النضالي.
كل فرد مطالب أن يقوم بعمل ما أو أن يؤدي مهمة ما مستحضرا هذه القواعد التي تم ذكرها و كذلك ضميره و أدبه و صدقه و أخلاقه ووفائه ونزاهته. فلا بد ان يعمل كل مسؤول على أن يجاهد نفسه في النضال في الواجبات كما يحب أن يجاهد نفسه في النضال في الحقوق .
الصبر و الإصرار و التكيف مع التغيير و التعلم من الفشل و العمل الجماعي و القيام بالواجبات على أحسن وجه هي من أهم تجليات النضال في الواجبات ، كما أن كل شخص عليه أن يناضل في الواجب عندما يرى نفسه قد طالها الحيف و الظلم أو تم إجهاض حقها في النضال في الواجب
لكي نصل إلى مستوى كبير نستحضره في واقعنا المرتبط بالنضال في الواجبات علينا ان نضع أرضية واضحة لممارسته على خلفية (الواجبات بالأمانة ) متمسكين بمقاربة مبنية على قيم :
التأطير الإيجابي المبكر ،النصح و التناصح ،التنشئة على منظومة الواجبات و الحقوق ،
التفاؤل ،التحمل و المثابرة ،الثقة بالنفس، اكتساب مهارات تمكن الشخص من إدارة ضغوط الحياة بشكل أكثر فعالية .
النضال جزء من حياتنا اليومية بل هو قيمة إضافية نتعلم منها كيف نواجه التحديات و نبني قدراتنا و نعزز من ثقتنا بأنفسنا رغم الصعوبات و الإكراهات التي نواجهها في الحياة ، كما أن النضال في الواجبات هو دينامية الحياة المهنية و ليس مجرد وسيلة لتحقيق أهداف معينة ،إنه رحلة تعلم لتحصين مستمر للذات من خلاله نكتسب الحكمة و نعزز من قدراتنا على مواجهة المستقبل بثقة كبيرة .
لذلك علينا ان نربي أنفسنا على النضال في الواجبات و نربي غيرنا على ذلك لأنه مسلك من مسالك النمو و التقدم في حياتنا المهنية بالدرجة الأولى .