
قيل على لسان محمد عبده لعن الله السياسة والسياسيين، وعلى منواله صار العديد من الناس يبخسون أعمال السياسيين، بل يضعونه في سلة واحدة. فأصبحت الصورة النمطية والمتداولة بين الجميع في مغربنا الحديث أن المجال السياسي هو مرتع الفساد والمفسدين، وكل من دخله فهو غير آمن، بل تتلطخ يداه بدماء الأبرياء وضياع حقوقهم. والخطاب الذي تستخدمه هذه الفئة من المنتسبين إلى الأحزاب السياسية، دون تعميم، لا سيما الفاسدين المفسدين منهم، خطاب “شيزوفريني” يناقض بعضه بعضا، سمته الكبرى الكذب والضحك على الذقون، وركوب موجة انتقاد المخالف وجعله أرضية لإلصاق كل القبائح به، وأنه سبب كل الشرور والخطايا والبلايا، ويبرؤون أنفسهم من كل قبيحة، بل هم المنقذون من الضلال، والذين سيرفعون الغلاء والبلاء، وتعم في زمانهم البهجة والحبور، والتنمية والسرور، وتزدهر البلاد، وتنافس باقي الأمم في كل المجالات. وأخطر منهم المتملقون “هامانات” الزمان في كل مكان، لاعقو الأحذية الذين يزينون للطغاة سوء عملهم، ويشجعونهم على ركوب كل رذيلة، ويزينون لهم كل قبيحة وقبيح، ويرهبون الناس ويخوفونهم، وأن السيد الذي انتخبوه بأموله السخية، هو أفضل الكائنات وبعده الجحيم، فترى الناس سكارى وما هم بسكارى، يخشون الفقر وهم يعيشون فيه إلى أخمص القدمين، ويتناسون خطابات أدعياء السياسة ووعودهم الكاذبة من جعل البلد جنة الله في الأرض، وإذا حاجهم أحد العقلاء أو بعضهم سلطوا عليهم زبانيتهم وذبابهم الإلكتروني للتخويف والترهيب، بل يقطعون أرزاقهم ويزجون بهم في السجون بملفات وهمية فصلت على المقاس، ويقضي فيها القضاة بسنوات وراء الشمس ظلما وعدوانا، بدعوى ثبوت التهم، وقدسية القانون، والعملية برمتها شهادة زور في وضح النهار اجتمع عليها نسوة يوسف فيلقون بالأبرياء في غياهب السجون ليكون هؤلاء المتمردون المنكرون عبرة لغيرهم من المنبطحين والمتملقين المسبحين بحمد سادتهم، الطامعين فيما عندهم من نعم زائلة جمعوها بطرق ملتوية واغتنوا بالريع والتدليل والنصب والاحتيال. وأخطر من هؤلاء جميعا الصامتون من المثقفين والعلماء والحقوقيين من نصبوا أنفسهم ليكونوا ملح البلد ينافحون عنه، ويبثون الوعي ويرسخون، وينشرون ثقافة حقوق الإنسان ويجتهدون في رد المظالم لأهلها، فلا تسمع لهم ركزا. بلعوا ألسنتهم إلا قليل منهم، من الأحرار الاوفياء الذين لا يخافون في الله لومة لائم، فانحازوا للمستضعفين والمقهورين، ووقفوا في وجه الطغاة المستبدين، وفضحوا ألاعيب المتحايلين، والراقصين على جراحنا، والسارقين لخبزنا، والمحاولين الدوس على كرامتنا. بعض سياسيينا ليست لهم الشجاعة لقول الحقيقة وتبنيها ومواجهة التدليس، لأنهم لا يعرفون السباحة إلا في الماء العكر، فهم مع الجميع وضد الكل، لا يهمهم من عمله الحزبي المقاولاتي إلا مصالحهم وما سيجنونه من إكراميات وفوائد سرعان ما تتبخر كما غرق عرش فرعون الذي لم ينفعه ادعاؤه الألوهية، ولم ينقذه من الغرق، هي الدنيا الزائلة دار من لا دار له يجمع لها من لا عقل له. وكيف لهؤلاء حينما يقفون بين يدي العدل المطلق وهم الفقر المطلق أن يردوا ما أخذوا غصبا، وهم الذين تحملوا مسؤولية الرعاية فأضاعوا الرعية، ووعدوا فأخلفوا، وأفسدوا دون أن يصلحوا وكانوا من أهل الفسق ” وإذا أردنا أن نهلك قرية أمرنا مترفيها ففسقوا فيها فحق عليها القول فدمرناها تدميرا” فهل يستيقظ ضمير هؤلاء الزعماء ” الكارطونيون”؟ ويعلموا أنهم بدون صدق ليسوا إلا ” كراكيز” في مسرحية رديئة. وسيبقى الخانعون والمتدثرون بالاستضعاف ومعهم المتملقون، وأشباه المثقفين وأدعياء العلم ورجال الفكر، وأهل التغيير ينتظرون ” كودو” والذي يأتي والذي لن يأتي، فكلما غاب موسى حضر السامري.