
يتكرر كل سنة ويستقبله المغاربة بشغف كبير، ومنهم من يعد العدة له، وينصب اهتمامه على ما يطفئ عطشه ويشبع بطنه، ويغلب عليه أن تكون مائدة الإفطار مليئة بما لذ وطاب من مختلف أنواع الطعام، فيكون همه بطنه، وحرصه على ساعة الآذان كي يشعل أول سيجارة بعد مغادرة آخرها قبيل الفجر بدقائق، فتراه متهجما كئيبا يعد الثواني والدقائق التي تمر بطيئة، ويسلم رأسه للوسادة فينام أغلب اليوم، ويتجول في آخره، عينه على عقارب الساعة يحسب الثواني بدل الدقائق، ومنا من يتعلق قلبه بالمساجد ويصحب مصحفه للقراءة والتدبر، ويحرص على الصف الأول والذكر والاستغفار، ويكون صيامه إمساكا حقيقيا عن شهوتي البطن والفرج من طلوع الفجر إلى غروب الشمس، ويقفل أذنيه ويغمض عينه غضا للبصر، ولا يتتبع عورات الناس ولا يتكلم إلا ضرورة، ويفر من اللهو واللغو، ويعرض عن الجاهلين، ويحجب عن نفسه رؤية ما تذيعه شاشات التلفزيون من ترهات و”سيتكومات ” حامضة” لا معنى لها وسلسلات تتكرر مواضيعها، وهمها إضحاك أشبه بمأساة سقوط بغداد، فيستثمر رمضان في فعل الخير وترك المنكر وسبيل الشيطان.
لقد كان للصحابة والسلف قبلنا سنن يتبعونه بين الشكر والصبر والطلب، فنصف السنة يشكرون الله بأن من عليهم بصيام رمضان، ونصفها يقضونه في طلب أن يبلغهم رمضان وحالهم يقول بلسان الصدق ” اللهم بلغنا رمضان واكتب لنا فيه الصلاة والصيام والقيام” إنها وسائل لاستقبال رمضان دأب عليها الصالحون، فلنقبل على ربنا بقلوب صادقة وسليمة منيبين إلى خالقنا، طامعين في عفوه ومغفرته، فمن أدرك رمضان فلم يغفر له فأنى يغفر، وهي فرصتنا نحن الصلح مع ربنا والتقرب إليه بالطاعات والابتعاد عن المنكرات، وتزكية النفس وتطهيرها من أدناسها، فالمفلح من زكى نفسه، والخاسر من دساها، وأضاع فرصة ذهبية في الاغتناء من سوق الأعمال الحسنة، حيث تصفد الشياطين وتفتح أبواب الجنان وتغلق أبواب النيران. فلنكن منارات للخير، مغاليق للشر، إنه شهر القرآن فالزم، وأنا معك، وردك، وتأمل كتاب الله وخاطب مولاك واجلس بين يديه وتبثل إليه، واذكره يذكرك ” فاذكروني أذكركم” واشكر له نعمه عليك يفيض عليك من البركات والرحمات والنعم ما لا يحصى ولا يعد، ” واشكروني ولا تكفرون” … كتاب الله حبل الله المتين لا يضيق صدر قارئه، ولا يبلى من كثرة الرد، من تمسك به نجا، ومن أعرض عن ذكر ربه ضاقت به السبل، وعاش حياة ضنكا، وأغلقت في وجهه أبواب العطاء، وحشر أعمى، ومن خاف ربه ونهى نفسه عن ارتكاب المعاصي، وخالف الهوى، عاش حياة السعادة الأبدية في الدارين، ومن عمل صالحا وهو مؤمن ركب سفينة الناجين، وأطل برأسه على باب السالكين دروب العزة والعلو، وتجاوز الهوان والذل” فلا تهنوا ولا تحزنوا وأنتم الأعلون إن كنتم مؤمنين” هي حياة الارتقاء، بالتوبة الصادقة النصوح، والاقتداء بخير البشرية عليه أفضل الصلاة والسلام، وفتح صفحة من سيرته لاتباعه والسير على هديه، في مدارج السالكين، والاستنان بسنته، والتمثل بأخلاقه، والدعوة لرسالته الخاتمة، “لتومنوا بالله ورسوله وتعزروه وتوقروه وتسبحوه بكرة وأصيلا”
رمضان شهر الصيام إمساك اللسان والجوارح عن فعل المنكرات، وتزكية القلب من الحقد والحسد والبغض…. ، فلا ينصرف فهمنا إلى أن الإمساك هو عن الطعام والجماع، هو صيام للقلب والجوارح، فمريم عليها السلام أمسكت عن الكلام شكرا لنعم الله عليها، وزكرياء أشار للقوم بالتسبيح، ومنع لسانه من النطق” قال رب اجعلي آية” فالصيام آية من الرحمان لتهذيب النفس وتزكيتها، فكان الأمر ” ألا تكلم الناس ثلاث ليل سويا” ومريم ناداها من تحتها” فإما ترين من البشر أحدا فقولي إني نذرت للرحمان صوما فلن أكلم اليوم إنسيا” الصيام سكوت عن الخلق لمخاطبة الحق بالقلب ذكرا وتسبيحا واستغفارا، وهو سمة الصالحين، وصفة عباد الرحمان” وإذا خاطبهم الجاهلون قالوا سلاما”.
رمضان شهر الصبر على العادات السيئة من أكل بدون ضوابط ” كلوا واشربوا ولا تسرفوا” تهذيب لهذه الجوارح وتحمل للجوع وتفكر في أحوال الفقراء والمحتاجين، وراحة للجسد مما يثقل عليه من طعام زائد، وتصفية له من الميكروبات، وتجديد لأعضائه، وفوائده الطبية أكثر من أن تعد، هو تربية على الإمساك ومخالفة النفس وملذاتها ” فاللهم إنا نعود بك من بطن لا يشبع” وصبر على الطاعات بقيام الليل والحرص على الجمع والجماعات، وصبر على المحرمات بتركها، وصبر على التفوه بسيء القول، وصبر في صرف النفس لما ينفعها، وصبر على الأولاد وتربيتهم، وعلى الجيران والأحباب والأقارب ودعوتهم للصلح مع الله والإنابة إليه، وتشجيعهم على النهل من العطايا الإيمانية، وأخذ ما جاء به الدين من رحمة وسعادة للناس، فلنكن دعاة للخير فالحبيب عليه السلام قال( أفضل الناس أنفعهم للناس ) .
وفي هذه الأيام ارفع يديك للباري عز وجل واطلب الشافي أن يشفينا جميعا من أمراض القلوب وضنك العيش وضيق الصدور، نحن العطشى والمرضى الواقفون في بابه أن يمنا علينا بنعمه ويشملنا برحتمه ويجعلنا من العتقاء من النار، وأن لا يجعلنا أشقى خلقه ويدخلنا الجنة برحمته.
شهر المسارعة نحو الجنان ” سارعوا إلى مغفرة من ربكم وجنة …” هي طريق الجنان ومن أبوابها باب الريان خصص لأهل الصيام، فلنكن من المتنافسين ولنسابق غيرنا قال الله تعالى : { وَفِي ذَلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ الْمُتَنَافِسُونَ} الآية ( المطففين : 26 )
فالدعاء عبادة ووسيلة لبلوغ المعالي، والإجابة ” وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ ۖ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ ۖ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ ” وروي عن أنس بن مالك – رضي الله عنه – أنه قال كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا دخل رجب قال ( اللهم بارك لنا في رجب وشعبان وبلغنا رمضان ( رواه أحمد والطبراني ) . وكان السلف الصالح يدعون الله أن يبلغهم رمضان , ثم يدعونه أن يتقبله منهم . فإذا أهل هلال رمضان فادع الله وقل ( الله أكبر اللهم أهله علينا بالأمن والإيمان والسلامة والإسلام , والتوفيق لما تحب وترضى ربي وربك الله ) [ رواه الترمذي , والدارمي , وصححه ابن حيان ]
ولنستقبل رمضان بالفرح والحبور والابتهاج ، ثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه كان يبشر أصحابه بمجئ شهر رمضان فيقول : ( جاءكم شهر رمضان , شهر رمضان شهر مبارك كتب الله عليكم صيامه فيه تفتح أبواب الجنان وتغلق فيه أبواب الجحيم … الحديث . ( أخرجه أحمد ) .
إذا أردنا متاعا زائلا من الدنيا خططنا له، وسألنا الخبراء عن أيسر وأسهل الطرق للتحصيل والانتفاع به، والجودة والاتقان أثناء إنجازه، فليكن ذاك ديدننا مع شهر الغفران خطط له بما ينفعك، ولتكن التجارة مربحة بعزم وصدق وعمارة أوقاته بالأعمال الصالحة ، فمن صدق الله صدقه وأعانه على الطاعة ويسر له سبل الخير ، قال الله عز وجل : { فَلَوْ صَدَقُوا اللَّهَ لَكَانَ خَيْراً لَهُمْ } [ محمد : 21}
ولا يعبد الله بجهل فليكن لك ولي من التفقه في الدين واختيار كتاب مبسط في فقه الصيام وأحكامه لمعرفتها وتطبيقها كي يصح صيامنا عند الله تعالى : { فَاسْأَلوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ } [ الأنبياء :7}
هو شهر الجود والكرم والإنفاق فيكفينا فيه الاقتداء بخير الخلق عليه السلام ” .. وكان أجود ما يكون في رمضان” هو أجود الناس عليه الصلاة والسلام، يعطى عطاء الذي لا يخشى الفقر، هو فرصة للتعرف على الأرملة والمسكين واليتيم والأغنياء من التعفف، فلنخرج من مالنا جهد المستطاع، ولنشجع على ذلك، ولنحارب البخل والشح، فقد حذر عليه السلام من الشح لأنه يحمل على سفك الدماء واستحلال المحارم قال الصادق صلى الله عليه وسلم ” إياكم والشُّحَ ؛ فإِنَّما هَلَكَ مَنْ كانَ قَبْلَكُمْ بالشُّحِّ ، أمَرَهُم بالبُخْلِ فبَخِلُوا ؛ وأمرهم بالقَطِيعَةِ فقَطَعُوا ، وأَمَرَهُمْ بالفُجُورِ فَفَجَرُوا” وقال سبحانه ” هَا أَنتُمْ هَٰؤُلَاءِ تُدْعَوْنَ لِتُنفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَمِنكُم مَّن يَبْخَلُ ۖ وَمَن يَبْخَلْ فَإِنَّمَا يَبْخَلُ عَن نَّفْسِهِ ۚ وَاللَّهُ الْغَنِيُّ وَأَنتُمُ الْفُقَرَاءُ ۚ وَإِن تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ ثُمَّ لَا يَكُونُوا أَمْثَالَكُم”
من لم يتب من ذنوبه في الشهر الفضيل فمتى يتوب؟ لا تدع الفرصة تفوتك.
أجدت وأفدت أستاذنا النقتدر عبد الرحيم فعلا المفروض التخطيط لهذا الشهر إنه أمام معدودات ففي فترة تاريخية كانوا يخصونه بوزارة رمضان تتولى السهر على أيامه ولياليه على أعلى مستوى جزيل الشكر على ما خطته يمينك نسأل الله أن يوفقنا إلى صيامه وقيامه