رأي

شاب صيني على أبواب الجنان

عبد الرحيم مفكر

على صفحة الدكتور محمد خليل اطلعت على تدوينة خصصها لأحد الشباب الذين يرغبون في اعتناق الديانة الإسلامية، وجاء يسأل عارفا ليدله على الطريق، لما لمس فيه من خير، ولأنه الأقرب إلى الصينيين بحكم ما قضاه في بلده من الأيام أثناء تمدرسه وتلقيه علم الطب، قصد الشاب الدكتور خليل، إنه أول طالب مغربي ذهب إلى الصين وتعلم الطب. وقد ضمن رحلته في كتابه الذي عنونه ب ” هكذا عرفتُ الصين، مشاهداتُ أولِ طالبٍ مغربيٍ” بناء رحلة كتبها بعد سنة على وقوعها الفعلي، في اعتماد على الذاكرة وتلك المسافة الزمنية التي أنضجت فكرة الكتابة. وقد تناول أسرار هذه الرحلة العلمية، من خلال كتابه، والتي تطورت في ما بعد، وشملت مجالات مختلفة اقتصادية واجتماعية ، دبلوماسية ، إلخ ، حيث يستكشف القارئ معالم متنوعة متعلقة بالصين، البلد الذي أقام فيه محمد خليل الطالب لمدة حوالي ثماني سنوات أو أكثر، محققًا بذلك ما اشتهر بين الناس “اطلبوا العلم ولو في الصين «.وتضمن كتابه رحلاته لغير الصين، بدول وعواصم قام بزيارتها بالموازاة مع ذلك مثل هونغ كونغ ، اليابان طوكيو، بلغراد ……. …………………………………
إنه أحد الناشطين في التعريف بالعلاقات المغربية الصينية، والتعاون الصيني الإفريقي من أجل تنمية دول إفريقيا، وله علاقات طيبة مع سفراء الصين وخبرائها وعلمائها. كما أنه مساهم وفاعل مدني حاضر في أنشطة مختلفة سياسية واقتصادية واجتماعية، واهتمامه الأكبر هو بكل ما يتعلق بالصين، كالمشاركة في حفل نظم بمناسبة السنة الصينية الجديدة من قبل المركز الثقافي الصيني و معهد كونفوشيوس، حفل بالمدرسة الوطنية للتجارة و التدبير، تخللته عروض فنية قام بها الطلبة المغاربة والأساتذة الصينيون. .
ومن المعلوم أن هذه السنة هي سنة الثعبان التي ترتب سادسا في دولاب الأبراج الصيني، الذي يضم 12 حيوانا.و قد جاءت سنة الأفعى أو الثعبان بعد سنة التنين. و ترمز الأفعى عند الصينيين إلى الذكاء والحكمة و الوفاء الأسري.
وتتباين دلالات الأفعى بين الثقافات، ولكنها تتشارك جميعها في أثرها على الحياة البشرية، حيث لها قدسية عند قدماء المصريين، والإغريق، بالإضافة إلى ارتباطها برمز الصيدليات والدواء، ففي الطب الصيني التقليدي، تُعتبر الأفعى رمزًا للطاقة المتجددة والنمو المستمر، ويرتبط استخدام الأفعى في الطب الصيني بالعلاج بالطاقة، حيث يُعتقد أن سم الأفعى يمكن أن يساعد في تعزيز الدورة الدموية، كما يساعد على تدفق الطاقة “تشي” في الجسم.
……………………………….
وبخصوص تدوينة الدكتور عن زيارة الشاب الصيني له يقول” أمس اتصل بي شاب صيني كنت التقيته مرة كمترجم لوفد صيني و المرة الثانية زارني في العيادة صحبة سيدة تمثل إحدى الشركات الصينية. لكن اتصال أمس كان جد مختلف و مفاجئ لم أتوقعه من صيني، فقد طلب أن يلتقي بي لأعلمه مبادئ الإسلام. حينما التقيته سألته سؤالين :السؤال الأول ، لماذا اختار معرفة الإسلام وليس دينا آخر و السؤال الثاني لماذا اختارني بالضبط لهذه المهمة . بالنسبة للسؤال الأول أجاب بأنه نشأ في مدينة بيجين في حي يقطنه المسلمون الصينيون، وكان هو ووالديه يؤمنون بأن الكون له خالق واحد أحد، وأنه نشأ لا يأكل الخنزير و لا يدخن و لا يشرب الخمر ، وقال بأن الحي الذي كان يقطنه فيه مطعم إسلامي معروف بطعامه الطيب وبنظافته و جدية العاملين فيه مما جعله وجهة للمسلمين و لغير المسلمين الراغبين لتناول الطعام اللذيذ. و قال لي بأنه بحث في الديانة المسيحية فوجد بأنها غير مقنعة وأن عقيدة التثليث غير منطقية ثم بعد ذلك اتجه للبحث في الإسلام فوجد نفسه مسلم بالفطرة فعقد العزم على اعتناق الإسلام ، و قرر أن يبدأ بصيام شهر رمضان المقبل و يريد أولا أن يتعلم كيف يصلي . أما جوابه عن سؤال لماذا التجأ الي شخصيا رغم أنه يجيد اللغتين الفرنسية و الإنجليزية و كان بإمكانه أن يطلب العون من أي مغربي مسلم ملم بدينه و قد يجد من هو أعلم مني في الدين و أفضل مني في مجال الدعوة ، فكانجوابه كالآتي قال لي بأنه حينما زارني في العيادة قبل أسبوع و جد آية الكرسي معلقة على جدار المكتب ، مكتوبة بخط جميل و مترجمة باللغة الصينية فتأثر عند مشاهدته لتلك اللوحة. قلت له بأن تلك اللوحة هدية من الإمام يحي إمام المسجد الكبير بمدينة شيآن وقد خطها بيده و وضع أسفل الكلمات ترجمة باللغة الصينية لمعاني آية الكرسي. و السبب الثاني الذي تركه يلجأ إلي هو لاعتقاده أنني أعرف جيدا عقلية الصينيين ومشاعرهم و طريقة التعامل معهم. فقال لي هل أتبعك على أن تعلمني كيف أصلي و أصوم و أتعلم دين الإسلام؟ و أضاف و في المقابل إذا احتجت أي شيء يمكن أن أساعدك فيه فإنني على أتم استعداد، قلت له أريد منك فقط أن لا تبخل علي بدعائك لي بالثبات على الحق و تدعو لي و لأبنائي بالدعاء الصالح. قال لي سأدعو لك ما حييت. ثم بدأت أعلمه مما علمني الله.و تواعدنا على أن يكون بيننا تواصل دائم و أن ينطق الشهادة أمام الملأ في أول أيام رمضان بمسجد الحسن الثاني. ………. ………………………إنها الدعوة بالحال فالشاب تأثر بمحيطه وبأخلاق الذين تعرف عليهم من المسلمين، وحسن معاملاتهم مع مخالفيهم من الملل والنحل، وأعجب بطبخهم وصدقهم، وسمو عقيدتهم، ولم يتأثر بالبوذية المنتشرة في بلاده، كما لم تستهوه المسيحية التثليثية، لمخالفتها لفطرته وعدم استساغتها بعقله، فهي أبعد عن الحق، وجاء اختياره للدكتور خليل لأنه شاهد قبل أسبوع لوحة كتب عليها آية الكرسي ومترجمة إلى الصينية أسفل كل آية، وهي بالمناسبة هدية من الإمام يحيى بالمسجد الكبير بمدينة شيآن، فكانت ملهمة له، وملكت فؤاده من أول نظرة لها، فقد تضمنت معاني التوحيد ولخصتها. والسبب الأساس لاتخاذ الدكتور مرشدا ومعينا على السير إلى الله معرفته بثقافة الصينيين وفكرهم وتقاليدهم. والشاب مستعد لتقديم المال من أجل التعرف على هذا الدين الذي اختاره الله لمخلوقاته، هو دين جميع الرسل والأنبياء، وما خالفه هو من صنع البشر قال تعالى ” شرع لكم من الدين ما وصى به نوحا والذي أوحينا إليك وما وصينا بها إبراهيم وموسى وعيسى أن أقيموا الدين ولا تتفرقوا فيه …” إنها الفطرة السليمة لما تكتشف انخرافها وتبوء إلى بارئها تطوي الطرق في سبيل معرفة الحق. وقد كانت صدمة الشاب كبيرة حينما طلب منه الدكتور خليل مقابل تعليمه الدعاء له، ولم يبخل عنه الشاب المسلم الصيني” سأدعو لك ما حيبت” فأنعم بها من نعمة. لقد تحقق لكلاهما مراده، ضمن الشاب مرشدا يستعين به على دروب المحبة والإنابة والاهتداء، وتحقق للدكتور أجر هداية واحد على يديه بإذن الله. إن في هذه الرواية من العبر والدلالات ما لا يعد ولا يحصى. وما لا يعرفه الناس عن الدكتور خليل رفيق الدكتور الخطيب ومحبه أن الرجل عرف بمحبته لدينه واعتزازه به، وتعددت مواهبه واهتماماته، ولا يفتر عن التعريف بالإسلام ويعتز بوطنه، ويكن للصينيين محبة خاصة لما شهد من حسن خلقهم ومعاملاتهم.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى