
الحرية تحقق للإنسان سيادته على نفسه، و يختار بها الطريق و الوجهة ، و يتخذ بها القرارات، وينوع بها تصرفاته، فمن عجز عن ذلك فهو فاقد للحرية والكرامة، عبد للشهوات ، أسير للطواغيت، فكثير من الناس لهم رغبة في التخلص من التدخين لكن لا يقدرون، فهم عبيد للتدخين، وكثير من الناس قانطون من تناول المشروبات الكحولية، لكنهم لا يجدون سبيلا للابتعاد عنها، وهم مقتنعون بضررها، عارفون صحيا بمآلاتها التخريبية، لكنهم لم يجدوا الصاحب والمؤنس والمساعد لإخراجهم من هذه العبودية المقيتة.
فالحرية هي القدرة على الالتزام بالقيود ضدا في الشهوات ، و الشريعة هي الوحيدة التي تحقق الحرية للانسان، و شهر رمضان المبارك محطة مهمة للتحكم في الشهوات و الملذات، محطة لاسترجاع الحرية والاستقلال.
الحرية هي القدرة على القيام بالواجب، واجب الصلاة و الزكاة و الصيام و الحج والنطق الصريح والواعي بالشهادتين.
فبلال رضي الله عنه وهو يعذب كان يقول أحد أحد، كان يشعر بالحرية الداخلية النفسية و هو تحت التعذيب، لأن العبيد هم الذين كانوا يعذبونه.
فالعبيد هم فاقدو الحرية أمام شهوة البطن، أمام الإعلانات والاشهارات الضاغطة على الناس قصد الاستهلاك القسري للمنتوجات في الأسواق الصغيرة و الكبيرة.
العبيد هم مستهلكو قذارة المخذرات ووسخ الخمور التي أصبحت تكتسي المشروعية في كل البلاد، ولقد كنا نسمع شعار تقريب الإدارة من المواطنين، فأصبح شعار تقريب الخمر والمخدرات من الصغار و الكبار والتلاميذ والتلميذات هو الأكثر تنفيذا والأوفى نسبة في الإنجاز.
العبيد هم من ولجوا أبواب شهوة الجنس، و الزواج المثلي ، والعلاقات الرضائية وزنى المحارم.
العبيد هم من فاقت شهوتهم الجنسية غرائز البهائم و الحيوانات. والأحرار من فهموا الإرادة الممنهجة لتوسيع الشهوات والمطالبات في توسيع جوانب محدودة في الإنسان ألا وهي اتباع خطوات الشيطان في الشهوات.
الأحرار هم الذين فهموا أنهم ما خلقوا إلا أحرارا، وان القيود المتناسلة ما هي إلا نواتج أخطاء بشرية.
لقد خلق آدم حرا في سعة ، وبلا قيود، في جنة فيها ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب رجل، و كان يمكن أن يعيش في هذا البدخ الحرياتي لو التزم بما نهاه الله عنه وهو عدم القرب من الشجرة،قال تعالى في محكم كتابه الكريم'”وَيا آدَمُ اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ فَكُلا مِنْ حَيْثُ شِئْتُما وَلا تَقْرَبا هذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونا مِنَ الظَّالِمِينَ (19) فَوَسْوَسَ لَهُمَا الشَّيْطانُ لِيُبْدِيَ لَهُما ما وُورِيَ عَنْهُما مِنْ سَوْآتِهِما وَقالَ ما نَهاكُما رَبُّكُما عَنْ هذِهِ الشَّجَرَةِ إِلاَّ أَنْ تَكُونا مَلَكَيْنِ أَوْ تَكُونا مِنَ الْخالِدِينَ (20) وَقاسَمَهُما إِنِّي لَكُما لَمِنَ النَّاصِحِينَ (21) فَدَلاَّهُما بِغُرُورٍ فَلَمَّا ذاقَا الشَّجَرَةَ بَدَتْ لَهُما سَوْآتُهُما وَطَفِقا يَخْصِفانِ عَلَيْهِما مِنْ وَرَقِ الْجَنَّةِ وَناداهُما رَبُّهُما أَلَمْ أَنْهَكُما عَنْ تِلْكُمَا الشَّجَرَةِ وَأَقُلْ لَكُما إِنَّ الشَّيْطانَ لَكُما عَدُوٌّ مُبِينٌ (22)””
فترك آدم السعة، والتجأ إلى الضيق، وترك الحرية التامة إلى عبودية غفر الله له عنها،قال تعالى”فَتَلَقَّىٰ آدَمُ مِن رَّبِّهِ كَلِمَاتٍ فَتَابَ عَلَيْهِ ۚ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ (37) .
إخواني: الحرية تتآكل، والقيود تلد القوانين، والقوانين تلد القيود،وكل يوم تشريعات تظهر لتهدم الحرية، التي ما خلق الله تعالى الإنسان إلا لها وبها.
في البدء كانت الحرية، و اليوم فالبشرية تسير نحو التقييد و معه التضييق نحو العبودية ومعها فقدان الحرية.
ومحطة شهر رمضان مناسبة للتحاور والتذاكر حول نعمة نفقدها رويدا رويدا، نعمة الحرية والإرادة، نعمة عبادة الله وحده،قال عز وجل”وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ” ، وكم يحس المرء في هذا الشهر الكريم من لذات الانتصار على الشهوات المصنوعة،و الملذات الخادعة، وذلك حين تشرئب الروح إلى بارئها، وهي حاملة للجسد الثقيل ، بعدما كان هذا الجسد المثخن بالهزائم يجرها إلى الأرض، إلى الملذات المضيعة للحريات، حرية العقيدة،حرية العبادة، حرية التعامل بما يرضي الله.
رمضان كريم
وكل عام وانتم أحرار .
تحياتي
الموضوع المقبل:
أسرار الصوم حكمه
،يليه موضوع:
كيف أقرأ القرآن الكريم في رمضان.