رأي

“خطة” تسديد التبليغ

مسرور المراكشي

ـ ” خطة ” التسديد ..!! :

مباشرة عند سماع خطة التسديد، قد يخيل إليك أن الأمر يتعلق بمباراة في كرة القدم، وأن المدرب قد وضع خطة هجومية، مع التركيز على التسديد عن بعد اتجاه مرمى الخصم، أو أن جنرال وضع خطة عسكرية لضرب العدو، في الحقيقة لا هذا ولا ذاك إنها فقط ( خطة) المجلس العلمي، بعد استقدام مدربه الجديد من بني ملال، وقام هذا الأخير بوضع “خطة” تسديد التبليغ، الغرض منها كما يزعم هو تجويد خطب الجمعة، ومنع فوضى و عشوائية التبليغ، بجعل الخطبة موحدة مسددة كافية شافية، وكفى الله الأئمة هم البحث و كتابة الخطبة، فما على الإمام إذن إلا تمرير فأرة الحاسوب بسلاسة، بعد دخوله موقع وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية، وذلك في يوم الأربعاء أو الخميس ثم البحث على كلمة خطبة، ثم النقر عليها بخفة و هاهي خطبة الجمعة جاهزة، حيث يمكن للإمام الذكي الإستفادة من الذكاء الاصطناعي، واستخراج خطبة الجمعة ثم حفظ متنها عن ظهر قلب، بل حتى الدعاء لا يحمل له هم فهو موجود فيها أيضا، في الحقيقة يجب شكر نابغة المجلس العلمي هذا، لقد أتاح للجميع الإطلاع على خطب الجمعة، يومين قبل موعد الخطبة مع تمكين الجميع من استخراجها و نسخها، وهكذا يمكن لجميع المغاربة ولله الحمد أن يصبحوا ( أئمة) و خطباء جمعة، في الحقيقة و كما يقول المغاربة: ( طيحو البق على خطب الجمعة)، وهذا يعني الحݣرة حيث غياب عنصر التشويق والإثارة، وضربت استقلالية الإمام وبذلك فقدت قيمتها…
ـ مقارنة ” التيفو ” و خطبة الجمعة :

جماهير كرة القدم يعرفون ما هو ( التيفو )، إنه ببساطة عبارة عن شعار، يحمل عدة رسائل سياسية و ثقافية، يتم التكتم عليه أثناء الإعداد و في سرية تامة، وهذه السرية هي من أهم الأعراف الأساسية التي يرتكز عليها، ولقد حاولت الداخلية خرق عرف السرية الذي يميزه، لكن الجمعيات الرياضية المعروفة باسم ( ألتراس )، رفضت شرط وزارة الداخلية بالإطلاع على ( التيفو)، ب 48 ساعة قبل عرضه على جماهير الكرة، و خاضت هذه الجمعيات ( الألتراس) نضالات كبيرة، من أجل الحفاظ على عرف سرية “التيفو” و تثبيته، و انهزم الأمن في معركة كسر هذا العرف، وبقي التشويق والإثارة ترافق “التيفو” إلى يومنا هذا… لكن مع الأسف خطبة الجمعة هي الحائط القصير، عند المجلس العلمي و وزارة الأوقاف والداخلية ومشتقاتها، حيث من أعراف خطبة الجمعة استقلالية الإمام، حيث يمكن لهذا الأخير كتابة الخطبة بكل حرية، وله كامل الحق في اختيار مواضيع الخطبة المناسبة، أما توحيد الخطبة فهذا فقط أمر استثنائي، يمكن قبوله في بعض الأعياد الدينية و الوطنية، ولا يمكن على أية حال تعميمه على جميع خطب الجمعة، إني أيها السادة أعتبر هذا اعتداء على حرمة منابر الجمعة، في حين لم تستطع الداخلية تغيير أعراف “التيفو”، لأن لهذا الأخير جماهير تحميه، وهي مستعدة إن اقتضى الحال التضحية من أجله، في حين لا جماهير تحمي حرمة المنابر مع الأسف…
ـ “خطة” التسديد لتدجين الأئمة :

لقد أعلن الكاتب العام للمجلس العلمي الأعلى، نجاح “خطة” تسديد التبليغ و تجاوزها محاولات ( التشويش )، مشيرا إلى أن الخطبة الموحدة، التي تم تقديمها على شكل ( خطبة مقترحة )، أصبحت معتمدة لدى 95% من الخطباء..!!،
مبروك نجاح “الخطة” ( ابراڤو) المدرب الجديد، مسرور المراكشي يقول لك : لا تفرح فليس هذا إنجاز يدعو للفخر، إذا استمر الوضع على هذا الحال لسنوات قليلة، فأنا متأكد أن الإمام لن يستطيع كتابة حتى رسالة ( SMS)، فبالأحرى أن يكتب خطبة جمعة بشكل سليم… سيصبح عندنا الإمام عبارة عن تلميذ كسول، يحسن ” النقيل” بالدارجة المغربية، عندها كبروا إذن أربع على حرية الإبداع و ملكة الإجتهاد، إن “خطة” المجلس العلمي تذكرنا بخطة رئيس الحكومة، المرحوم السي عبد الرحمن اليوسفي، أي خطة العمل الإدماج المرأة في التنمية، والعجيب هو الإعلان عنها كان يوم الجمعة، ففي 19 مارس 1999بفندق هيلتون بالرباط، أعلن عبد الرحمن اليوسفي عن هذه الخطة، إذن خطة المجلس ترمي إلى تقييد حرية خطيب الجمعة، و خطة اليوسفي كانت كذلك في يوم الجمعة، لكنها ترمي إلى منح حرية بلا حدود وبلا قيود للمرأة..!! تناقض مضحك بين تكميم أفواه خطباء الجمعة، وإطلاق العنان بلاقيد ولاشرط للمرأة..!! هذه كما يقول المغاربة هي ( اللعبة في الجعبة )..
ـ “خطة” التسديد والقضية الفلسطينية :

فصل خطبة الجمعة عن قضايا الأمة، ومن بينها أم القضايا فلسطين والمسجد الأقصى، وهذا هو مربط الفرس عندهم بلا لف ولا دوران، لقد إعتاد المغاربة على كذب بعض كبار الشخصيات، رئيس الحكومة مثلا أو وزير أو نائب يحمل لقب ( محترم)، لكن أن يأتي الكذب و التضليل الاعلامي، من جهة المفروض فيها التقيد بتعاليم الإسلام هذا امر عجاب، قالوا : ( توحيد الخطبة من اجل تسديد التبليغ..)، ثم يتضح الأمر بعد ذلك و ينكشف الغطاء ويسقط القناع، حيث لم يعد هناك ذكر لفلسطين، ولا لحرب الإبادة الجماعية في غزة، ولا يذكر ما يتعرض له المسجد الاقصى من عدوان ومحاولة تهويده، لقد كان في حينا خطيب يدعو مع المقاومة في غزة، لكن منذ دخول “خطة” تسديد التبليغ صمت و ابتلع لسانه، ولكم أيها السادة تحري الأمر في 95% من المساجد، لتعلموا كارثة” خطة” التسديد على القضية، فحتى مجرد الدعاء على العدو
لم يعد مسموحا به للإمام، إن نسبة 95% من المساجد هي كما أعلن الكاتب العام للمجلس العلمي، كان على هذا الأخير قول الحقيقة كاملة، وهي دخول طرف أجنبي على خط التبليغ، و كي يرضى عن الدولة تم اختراع” خطة” التسديد..
خلاصة :
يجب إيقاف مهزلة “خطة” قلة التسديد هذه وترك خطب الجمعة كما كانت، لأن فيها شيء من روح الإبداع والإجتهاد على بساطته، وهي كذلك تشكل متنفس للمواطن المقهور و بصيص من الامل.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى