رأي

مواقع التواصل من النصرة إلى الفتنة

ذة. إيمان البياري دكتورة في القانون وباحثة في التواصل السياسي

في أول أيام رمضان، تم نشر حلقة من حلقات بودكاست “إنسان”، وكان الشيخ الدكتور عثمان الخميس ضيفًا في الحلقة. ومن ضمن المواضيع التي تمت مناقشتها، كان موضوع الحرب على غزة، حيث سأل المذيع الشيخ عن واجبنا اتجاه إخواننا في غزة. فاستهل الشيخ جوابه بالإقرار بأننا جميعًا أفرادًا ودولًا مقصرون في حق غزة، مؤكدًا على ضرورة نصرة القضية. كما صرح في خضم جوابه بأن الناس تخلط بين القضية الفلسطينية ووحدتها وبين حماس بوصفها جماعة سياسية لها أخطاؤها وانحرافاتها. واعتبر أن موقفه من ما أسماه انحرافات حماس وتعاونها مع إيران لا يمنع من التضامن معهم باعتبارهم مسلمين تعرض لهم عدو كافر فاسق وفاجر. فلابد من مساندتهم، وهذه المساندة لا تعني التأييد في الفكر، وحتى انتقاد هذا الفكر ليس الآن وقته، بل الآن وقت النصرة.
كعادته، لم يوفر المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي، أفخاي أدرعي، الفرصة بوصفه قائدًا للحرب الإعلامية الموجهة تحديدًا ضد الجماهير العربية، فغرد على صفحته الرسمية معربًا عن إعجابه بالشيخ الخميس ومحبته له. فكان هذا كافيًا لأن تقام الدنيا ولا تقعد، وتنهال الشتائم والانتقادات والاتهامات بالتخوين والعمالة على الشيخ من عامة الناس وخاصتهم. وانتشر تصريحه خلال اللقاء مجتزأً اجتزاءً مخلاً بالمعنى والسياق.
إذا كانت عامة الناس تركن للسير سير القطيع وراء الحملات المغرضة وتلبية دعوات الفرقة بين المسلمين دون تبين الحقائق وتمحيص القرائن، ولو كان الداعي هو الشيطان نفسه، فإن المفترض في خاصتهم أن يمتلكوا من البصيرة والحكمة ما ينأى بهم عن هذه المنزلقات. إذ يعرف الرجال بالحق ولا يعرف الحق بالرجال. وما دمنا نتحد حول وحدة القضية، ولا خلاف بيننا حول ضرورة النصرة لإخواننا في فلسطين مهما اختلفت توجهاتهم الفكرية أو تعددت انتماءاتهم السياسية والعقائدية، فإن كل اختلاف دون ذلك هو اختلاف مؤجل إلى ما بعد النصر والتحرير.
والمتتبع لدروس الشيخ ومحاضراته يعلم أن موقفه من القضية الفلسطينية ثابت، وأن ما أشار له من اختلاف مع حركة حماس له أسباب سياسية وأخرى عقائدية مرتبطة بالتعاون مع إيران بوصفها الداعم والحاضن الأساسي للمذهب الشيعي. وهذا رأيه وتوجهه، وله كامل الحق في تبنيه والتعبير عنه، مادام لا يمس بحق الشعب الفلسطيني في تقرير مصيره والدفاع عن أرضه. وهو إذ يؤجل الخوض في هذا الرأي والتفصيل فيه إنما بهدف الحفاظ على وحدة الصف المدافع عن هذا الحق، هذا الحق الذي وحد المسلمين وغيرهم من الملل والنحل. فإذا بما أراد أن يتجاوزه، يُستخدم ضده في حملة إعلامية حقيرة من حملات أفخاي أدرعي، الذي يجب أن نشهد له بكل مرارة أنه بات يتقن قواعد اللعبة. فيكفي أن يمجد ويمدح من هو في غنى عن مدحه أو دمه حتى تستعر نار مواقع التواصل الاجتماعي بالشتم والتخوين. وما يزيدنا هذا إلا ضعفًا وفرقة.
يدرك العدو أن مواقع التواصل الاجتماعي هي ساحة معركة افتراضية لا تقل أهمية عن ساحة المعركة الحقيقية، فقد رصد في سبيل الفوز بها كل موارده المالية والسياسية والاجتماعية، حتى يحرف الحقائق ويحجبها عن العالم ويستمر في لعب دور الضحية. كل هذا متوقع في الحرب والسلم معًا، لكن أن نتحول نحن إلى بيادق يحركنا كيف يشاء ويشعل نار الفتنة والتفرقة بتغريدة ملغمة نتلقفها، فما تلبث أن تنفجر فينا المرة تلو المرة، فهو أمر لا يمكن أن نقبل به بعد كل ما تم تحقيقه من خطوات إيجابية في سبيل التعريف بالقضية ودعمها دوليًا. فلا يجب أن تشغلنا مثل هذه المكائد التي تهدف إلى تشويه صورة النخب وإشعال فتيل الفتنة والفرقة عن ما يجري الآن من استئناف للقتل والإبادة في حق شعب بأكمله.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى