رأي

صلاة التراويح للمرأة أيهما أفضل في المسجد أم البيت وعن إمامتها عند أهل الثبت.

بقلم الشيخ المقرئ عبد اللطيف بوعلام الصفريوي.

لقد اختلف أهل العلم في هذه المسألة اختلافا بيِّنا من مانع لها إلى مُجيز، ولكل حُجيته في هذه القضية، فهناك من اعتبر أن الأفضل للمرأة أن تصليها في بيتها مستندا على قول النبي ﷺ: “وبيوتهن خير لهن”. (رواه أبو داود)، ومعتمدا على الحديثِ المرفوع إلى ابن مسعودٍ رضي الله عنه: «صَلَاةُ المَرْأَةِ في بَيْتِهَا أَفْضَلُ مِنْ صَلَاتِهَا في حُجْرَتِهَا، وَصَلَاتُهَا في مَخْدَعِهَا أَفْضَلُ مِنْ صَلَاتِهَا في بَيْتِهَا». وحضورها للمسجد من باب المباح، وليس من باب المسنون أو المشروع، وعلى هذا، فإذا صلت المرأة في بيتها فلا بأس أن تصلي جماعة في أهل البيت من النساء لأنه يُرْوى عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه «أمَر أمَّ ورقة أن تؤُم أهل دارها أو أهل بيتها»، وحتى لو كانت لا تحفظ من القرآن إلا قليلاً يكفيها للصلوات الخمس المفروضة، فلها أن تقرأ من المصحف مباشرة؛ لأنه قد رُوِي عن عائشة رضي الله عنها أنها كانت تفعل ذلك؛ ولأن تلك الحركة التي تكون في نقل المصحف وتقليب صفحاته لا تضر، والنظر إلى كلماته حركة تقتضيها المصلحة في التثبُّت من المقروء؛ ولا تكون مكروهة البتة؛ ذلك أن العديد من الأئمة يقرؤون من التيلفون أو المصاحف الصغيرة تجنبا للهرج والمرج الذي يقع في تصويب الآيات من قبل الحُفَّاظ المنتشرين في حنايا المسجد مِمَّا يُحدث شوشرة غير مقبولة، ولقد شهدناها بالفعل إلى حد الخصام، وعبد ربه من الداعين لاستعمال الوسائل الإلكترونية والورقية لتسهيل انسياب تلاوة القرآن دون خطأ محدِث للفوضى… وحتى نكون منصفين لهذه الظاهرة الرمضانية،
فإِن خروجَ النساء ليلًا لأداء صلاة التراويح لا بد له أوَّلا من موافقة أولياء أمورهن أو أزواجهن شريطة ألا تترتَّب على خروجهنَّ مفسدةٌ، ولا يَحِق لأحد مَنْعُهنَّ من هذا الفضل والخير العميم إن رَغِبْنَ وأردن شهود صلاة الجماعة مع المسلمين.
أمَّا إِنْ كان في خروجهنَّ فتنةٌ وضررٌ، وهو ما يحصل _ مع كامل الأسف _ في هذه السنين المتأخرة، فالصلاةُ في بيوتهنَّ خيرٌ لهنَّ مصداقا لقول النبي صلَّى الله عليه وسلَّم: «لَا تَمْنَعُوا نِسَاءَكُمُ المَسَاجِدَ، وَبُيُوتُهُنَّ خَيْرٌ لَهُنَّ»، وروى الإمام أحمد حديثا عن أم سلمة عن النبي صلى الله عليه وسلم قوله: * خَيْر مساجدِ النساء قَعْرُ بيوتهن *.
أما إمامة المرأة، فالأفضل عند أهل العلم الثقات أن تصلي كل واحدة من النساء في قعر بيتها، فعن أم سلمة رضي الله عنها عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: * خَيْرُ مَسَاجِدِ النِّسَاءِ قَعْرُ بُيُوتِهِنَّ *. الحديث رواه الإمام أحمد برقم (26002).
وعلى العموم، فإن صلاة المرأة في بيتها خير من صلاتها جماعة في المسجد؛ فعَنْ أُمِّ حُمَيْدٍ امْرَأَةِ أَبِي حُمَيْدٍ السَّاعِدِيِّ رضي الله عنهما أَنَّهَا جَاءَت النَّبِيَّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ الله، إِنِّي أُحِبُّ الصَّلاةَ مَعَكَ. قَالَ: قَدْ عَلِمْتُ أَنَّكِ تُحِبِّينَ الصَّلاةَ مَعِي، وَصَلاتُكِ فِي بَيْتِكِ خَيْرٌ لَكِ مِنْ صَلاتِكِ فِي حُجْرَتِكِ، وَصَلاتُكِ فِي حُجْرَتِكِ خَيْرٌ مِنْ صَلاتِكِ فِي دَارِكِ، وَصَلاتُكِ فِي دَارِكِ خَيْرٌ لَكِ مِنْ صَلاتِكِ فِي مَسْجِدِ قَوْمِكِ، وَصَلاتُكِ فِي مَسْجِدِ قَوْمِكِ خَيْرٌ لَكِ مِنْ صَلاتِكِ فِي مَسْجِدِي. قَالَ: فَأَمَرَتْ، فَبُنِيَ لَهَا مَسْجِدٌ فِي أَقْصَى شَيْءٍ مِنْ بَيْتِهَا وَأَظْلَمِهِ، فَكَانَتْ تُصَلِّي فِيهِ حَتَّى لَقِيَتْ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ. الحديث رواه أحمد برقم: (26550)، وصححه ابن خزيمة تحت رقم (1689).
هذه واحدة، والثانية عن حكم إمامة المرأة للنساء، فباختصار شديد دون الدخول في تراشق الفقهاء بالمنع والجواز، ولكل دليله في هذه المسألة؛ فقد ذهب جمهور الفقهاء من الحنفية، والشافعية، والحنابلة إلى جواز إمامة المرأة للنساء. أما فقهاء المالكية، فلا تجوز عندهم إمامة المرأة مطلقاً لا في صلاة فرض ولا في صلاة نفل.
فأدلة أصحاب القول بالجواز استنادهم على الحديث المروي عن حجيرة رضي الله عنها قالت: “أمَّتنا أمُّ سلمةَ في صلاة العصر، فقامت بيننا”. الحديث ذكره البيهقي في السنن الكبرى. وعن أمِّ ورقةَ رضي الله عنها: “أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يزورها في بيتها، وجعل لها مؤذِّنًا يؤذِّن لها، وأمرها أن تَؤُمَّ أهلَ دارها “. رواه أبو داود والحاكم والبيهقي في السنن الكبرى..
قال الإمام النووي في هذا الصدد: ” حديثا إمامة عائشة وأم سلمة رواهما الشافعي في مسنده، والبيهقي في سُننه بإسناد حسن، المجموع للنووي(4/187).
أما أدلة أصحاب القول بالمنع، فقد قال في المغني: وقال مالك: ” لا ينبغي للمرأة أن تؤم أحدا لأنه يُكره لها الأذان، وهو دعاء إلى الجماعة، فكره لها ما يُراد الأذان له. انتهى. لكن الباجي في شرح الموطأ قد نقل رواية عن مالك بصحة إمامة المرأة للنساء، وهي رواية ابن أيمن عن مالك.
أما عن كيفية إمامة المرأة للنساء في الصلاة، فهي مخالفة للإمام الذكر الذي يتحتم عليه أن يكون متقدما على المأمومين في الصلاة. أما بالنسبة
لإمامة المرأة لجنسها من النساء فإنَّ هنالك، حالتين تؤمُّ المرأة بهما: الحالة الأولى: أن تؤُم المرأة مجموعة من النساء؛ وفي هذه الحالة تقف المرأة الإمام بينهنّ في صفِّ النساء المأمومات نفسه. والحالة الثانية أن تُصلي بواحدة، فتقف المأمومة إلى يمينها. أما في ما يتعلق بقراءتها، فقد قال ابن قدامة في المغني (17/2): “وتجهر في صلاة الجهر، وإن كان ثَمَّ (أي هناك) رجالٌ: لا تجهر، إلا أن يكونوا من محارمها، فلا بأس “.
ولا بد من الإشارة في نهاية هذا المقال إلى مسألتين هامتين:
*الأولى حجز الأماكن في المسجد بشكل مُلفت وفظيع حتى لا يكاد يخلو صف من الصفوف من سجادة أو طاقية أو جلباب أو قارورة ماء أو غيرها من الأشياء المُثْبِتة لتمَلُّك المكان من كلا الجنسين.
ألا يعلم هؤلاء
أن المسجد ليس مِلْكا لأحد أيّا كان، فهو بيت من بيوت الله مفتوح لجميع المصلين، ومن حق كل أحد أتى قبل مستعمري الأماكن، فوجد مكاناً فارغاً أن يجلس فيه ولو كان معلَّما بإشارة الحجز ذلك أن النبي ﷺ ” نهى عن نقرة الغراب، وافتراش السبع وأن يُوطِّن الرجل المكان في المسجد كما يُوطِّن البعير”.
*والثانية هي تلك الفوضى المحدثة من قِبل الصبيان..
ذلك أن إحضار الأطفال للمسجد له ضوابط شرعية حازمة، ويتملكني العجب العجاب لمن لا يمانع أن يأتي بطفله ليثير الشغب ويشوش على المصلين بدعوى الاستئناس والتعلم والتبرك بالمكان والقرآن، وتراه لا يأتي به في بيت الضيوف مخافة إزعاجهم حيث الأكل والشرب والضحك ولا صلاة ولا عبادة.
والأدلة على التشديد في منع الهرج في المسجد كثيرة نسوق منها ما يلي أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه كان إذا خرج إلى الصلاة نادى في المسجد، قال: إياكم واللغط! (مصنف ابن أبي شيبة، 8123) وإسناده صحيح.
قال أحمد بن حنبل: «ينبغي أن تجنب الصبيان المساجد».
(فتح الباري لابن رجب، 3/386).
وقال إسحاق بن راهويه: «فإن كان صبيًّا لم يبلغ سبع سنين فمنع دخول المسجد لم يكن بذلك بأس، وأما الصف الأول فيمنعون».
(مختصر قيام الليل، ص243).
سُئل مالك عن الرجل يأتي بالصَّبِيِّ إلى المسجد أتستحِبُّ ذلك؟ قال: «إنْ كان قد بَلغَ موضعَ الأدبِ، وعرَف ذلك، ولا يعبثُ في المسجد؛ فلا أرى بأسًا، وإن كان صغيرًا لا يَقِرُّ فيه ويَعبَثُ؛ فلا أُحبُّ ذلك».
الرسالة المفصلة (207).
قال إسحاق بن راهويه: «مجانبة المساجد إذا كان في غير صلاة فسنّة مَسنونة؛ بلغوا سبعًا أو أقلّ أو أكثر، لما يخش من لغطهم ولعبهم، فأما إن جاءوا بحضور الصلاة فلا يُمنعوا».
قيام الليل للمروذي (ص 243).
قال ابن تيمية:
«يُصان المسجد عما يُؤذيه ويؤذي المصلين حتى رفع الصبيان أصواتهم فيه، وكذلك توسيخهم لحُصُره ونحو ذلك، لا سيما إن كان ذلك وقت الصلوات».
مجموع الفتاوى (204/22).
قال الحافظ بن رجب: روي عن بعض السلف: أن أول ما استُنكِر من أمر الدين لعب الصبيان في المساجد. [شرح البخاري 3 / 387].
وبه وجب الإعلام وتمام الكلام والله تعالى أعلم.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى