
لعل أشهر جائزة سياسية في العالم هي (جائزة نوبل للسلام). ويفترض أنها تمنح سنويا للشخصيات والهيئات الأكثر خدمة للسلام العالمي. ومعلوم أن السلام إنما تكون له قيمة وجدوى حينما يضع حدا للحرب، أو حينما يجنِّب الشعوب حربا كانت وشيكة، أو تلوح في الأفق.
ومعلوم كذلك أن الخدمة الكبرى للسلام العالمي، هي تلك التي تأتي بالسلام العادل، الذي يحق الحق ويرفع الظلم والعدوان. وأما السلام الذي يثَـبِّت الظلم، ولا يحقق العدل، بل يقوم على أنقاضه، فهو مجرد هدية ومكافأة تقدم للطرف الظالم.
وما دامت لجنة نوبل للسلام لا تراعي هذا الاعتبار الأخير، وليست معنية به، وإنما يهمها فقط وقف الحروب واجتنابها بأي ثمن، فالأَوْلى أن تُدخل في المستحقين للجائزة أولئك الذين يفضلون “الاستسلام”، خدمة للسلام، عملا بقاعدة “من صفعك على خدك الأيمن فأدِرْ له خدك الأيسر”. فهذا هو الأكثر تحقيقا للسلام، والأكثر نشرا للظلم والبغي والعدوان. المهم أن السلام، سيكون أكثر، ولو مع الزيادة في الشر.
وهذه هي النظرية الجديدة التي يعتنقها حكام الدول العربية: “الاستسلام: أقرب طرق السلام”.
وقد كانوا من قبل – منذ سنة 2002 – يتبنَّون نظرية “الأرض مقابل السلام”؛ أي كانوا يعرضون على إسرائيل الاعتراف بها والسلام معها، مقابل انسحابها من “بعض” الأراضي الفلسطينية، أي من “أراضي 67″، لإقامة دولة فلسطينية عليها..
لكن إسرائيل ظلت تعلن وتُرسِّم رفضها القاطع لمبادرة القادة العرب، مما دفع عددا من الدول العربية، “الأكثر عشقا للسلام”، إلى المسارعة نحوالاعتراف والتطبيع والتسليم مجانا، ودون أي قيد أو شرط. وهذه هي العقيدة الجديدة للحكام العرب: “الاستسلام أسهل طريق لتحقيق السلام”.
وبما أن اللجنة النرويجية لجائزة نوبل للسلام، تختار لجائزتها الأشخاص الأكثر خدمة للسلام، فإن الزعماء العرب – المستسلمين لإسرائيل -هم الآن أنسب المرشحين لنيل هذه الجائزة. فهم يتمسكون بالسلام في جميع الأحوال، وبأسرع الطرق..
فلو ضمت إسرائيل إليها: الضفة والجولان، وجنوب لبنان وجنوب سوريا، فهم متمسكون بالسلام الأبدي،
ولو ضمت المسجد الأقصى ومدينة القدس، وقامت بتهويد المدينة ومقدساتها، فهم معتصمون بالسلام المقدس،
ولو احتلت قطاع غزة، أو باعته للأمريكان، فهم أوفياء لمحبة السلام والاستسلام،
ولو قامت بالإبادة والتهجير لملايين الفلسطينيين، فلا تنازل عن الاستسلام الشجاع،
ولو قطعت عن الشعب الفلسطيني الغذاء والدواء والماء، فلا شيء سوىورود السلام..
ومهما فعلت إسرائيل، فخيارهم الاستراتيجي معها، سيبقى هو الاستسلام والاحترام.
فهل من شك في أن هؤلاء هم المستحقون – بدون منافس – لجائزة نوبل للسلام والاستسلام؟
لقد مُنحت هذه الجائزة سنة 1978 للرئيس المصري آنذاك أنور السادات، مناصفة مع زعيم العصابة مناحيم بيجين.. مع أن السادات كان قدأنجز نصف حرب ونصف سلام، وأما رؤساؤنا اليوم، فيقدمون لإسرائيل وجرائمها استسلاما تاما خالصا مخلصا، مشفوعا بهدايا التطبيع والتنسيقوالتعاون على الإثم والعدوان.
فكيف لا يستحقون وحدهم “جائزة نوبل للاستسلام”؟
وإذا ما منحت هذه الجائزة للمستحقين لها من الحكام العرب، فستكتسبمزايا غير مسبوقة في تاريخها، منها:
1. الفائزون هم مَن سيدفعون – وبسخاء – القيمة المالية للجائزة، وسيكتفونهم بالوسام الشرفي الرمزي.
2. ستسجل الجائزة لنفسها مكسبا نوعيا غير مسبوق في خدمة السلامبطريقة جديدة، هي الاستسلام والركون.
3. الرؤساء الفائزون ينوبون في هذه الجائزة عن الآلاف من أعوانهم وقادةجيوشهم، الذين سيشاركونهم هذا الاستحقاق وهذه الجائزة، لما يتسمون به من انضباط تام وطاعة عمياء، في حماية “إسرائيل” وأمنهاومصالحها، وجرائمها ضد الأشقاء الأعزاء..