كيف عالج الله الحكيم في قرآنه العظيم ظاهرة (الحِرابة: قُطّاع الطرق) الكريساج التي كثُرت في العالم بشكل مُلفت للنظر
بقلم الشيخ عبد اللطيف بوعلام.

إن المتصفح لوسائل التواصل الاجتماعي ليُصاب بالذهول والخوف والذعر مِمَّا آلت إليه الشعوب في ممارسة العنف بشكل خطير يضرب في عمق الاستقرار ويهدد بحق السلم الاجتماعي العالمي، وينذر بالفوضى والانتقام وأخذ الثأر.
ولقد امتن العزيز المقتدر على قريش بأن وفَّر لهم نعمتين لا يعرف قيمتهما إلا من افتقدهما بالفعل، وهما الأمن الغدائي والنفسي متجسدا في قوله تعالى بالسورة التي على اسم قبيلتهم:
“بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَٰنِ الرَّحِيمِ لِإِيلَافِ قُرَيْشٍ (1) إِيلَافِهِمْ رِحْلَةَ الشِّتَآءِ وَالصَّيْفِ (2) فَلْيَعْبُدُوا رَبَّ هَٰذَا الْبَيْتِ (3) الَّذِي أَطْعَمَهُمْ مِنْ جُوعٍ وَءَامَنَهُمْ مِنْ خَوْفٍ (4)”.
ثم وضع لذلك الأمن قانونا زجريا حادا وقاسيا ضد المعتدين الساعين بالإفساد في الأرض بالقتل والسرقة وأخذ أموال الناس بغير حق متجليا في قوله عز وجل بسورة المائدة: * إِنَّمَا جَزَاء الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الأَرْضِ فَسَاداً أَن يُقَتَّلُواْ أَوْ يُصَلَّبُواْ أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُم مِّنْ خِلافٍ أَوْ يُنفَوْاْ مِنَ الأَرْضِ، ذَلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيَا وَلَهُمْ فِي الآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ (33)*.
والقاضي غير مخير في الحكم بحسب الحالة المعروضة عليه لأن عقوبة قُطَّاع الطريق على أربعة أنواع، ولكل جريمة مرتكبة لها حكمها في الآية:
+ فإذا قَتلوا وأخذوا المال قُتلوا وصُلّبوا.
+ وإذا قَتلوا ولم يأخذوا المال، قُتلوا بلا صلب.
+ وإذا أخذوا المال بلا قتل قُطّعت أيديهم وأرجلهم من خلاف.
+”وإذا لم يأخذوا المال ولم يقتلوا شُرِّدُوا نفيا من بلدهم، ولن يسمح لهم بالعودة إليه…
والله لو تَمَّ تطبيق هذا القَصاص على هذه الفئة الضالة لعاشت المجتمعات كلها في هناء وسلام وطمأنينة مستديمة يشهد لذلك قول الحق سبحانه وتعالى بسورة البقرة مخاطبا بها أولي الألباب: أي أصحاب النُّهى والحِجا والعقول والأفهام:
* وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ * (179).
بمعنى أن في قتل القاتل حكمة عظيمة لكم في بقاء النفوس وصونها من الإزهاق؛ لأنه إذا علم القاتل أنه سيقتل امتنع وانكف عن صنيعه، فكان في ذلك حياة له، وكان العرب يقولون: ” القتل أنفى للقتل ” لكن هذه العبارة فضفاضة وغير دقيقة وتساعد على الاستمرار في القتل لانتفاء وجود القاضي الذي ارتضاه حَكَما المطالبون بالدم، فشذب الحكيم العليم تلك العبارة بشكل أفصح وأبلغ وأوجز بتنكير الحياة من زاوية المتنعم بالاستقرار الذي يشعر بالراحة في تطبيق القَصاص.
قال أبو العالية بمعرضها:
“جعل الله القَصاص حياة، فكم من رجل يريد أن يقتل، فتمنعه مخافة أن يقتل”.
وهذا الانقداح الذي ذهب إليه وأصَّلَه رُوِيَ كذلك عن الضباط النحارير كمجاهد، وسعيد بن جبير، وأبي مالك، والحسن، وقتادة، والربيع بن أنس، ومقاتل بن حيان، وغيرهم.
( وقوله: لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ ) أي: لعلكم تنزجرون، فتركون محارم الله..
والتقوى كما لا يغيب عن خَلَدكم، ويعْزُب عن بالكم اسم جامع لفعل الطاعات وترك المنكرات.
قال سبحانه وتعالى بسورة المائدة مذكرا بحُكمه العادل تنبيها وتوجيها للذين يحكمون بغيره لرجوعهم إلى الجادة قصد تحقيق الطمأنينة المنشودة: ﴿أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ ۚ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْمًا لِّقَوْمٍ يُوقِنُونَ﴾( 50).
“أفحكم الجاهلية يبغون؟ ومن أعدل من الله حكمًا لقوم يوقنون!
ذلك أن شريعة الله هي العدل المطلق، ورحمته بعباده تفوق كل رحمة، فمن أيقن بحكمة الله وعلمه، علم أنه لا حكم أعدل ولا أرحم من حكمه.
فهو الأعلم بكل شيء، والقادر على كل شيء، والعادل في كل شيء.
فليطمئن قلب المؤمن أن في حكم الله الخير والعدل والرحمة، لمن عقل عن الله شرعه وآمن بحكمته.
والغريب العجيب أن المدافعين عن حقوق الإنسان لا يرفعون الراية الحمراء إلا لضمان حق الظالم لا المظلوم. إذ كيف يُعقل أن نَحُد من الإجرام بضمان حق المجرم في العيش بكرامة داخل زنزاته من أكل وشرب وتطبيب وترفيه وممارسة للرياضة ومتابعة للدراسة.. ألا يُعد ذلك تشجيعا له في ارتكاب جُرم أقوى للعود والاشتياق إلى مؤسسته الأم المدافعة عنه…
ذلك أن الأحكام في الإسلام قد تبدو في ظاهرها قاسية لكنها محِدّة موقفة للظلم، جالبة للاستقرار الدائم:
“وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ وَالْعَيْنَ بِالْعَيْنِ وَالْأَنفَ بِالْأَنفِ وَالْأُذُنَ بِالْأُذُنِ وَالسِّنَّ بِالسِّنِّ وَالْجُرُوحَ قِصَاصٌ ۚ فَمَن تَصَدَّقَ بِهِ فَهُوَ كَفَّارَةٌ لَّهُ ۚ وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ” سورة المائدة (45).
أي: وكتبنا على اليهود فيها أي التوراة تلكم الأحكام السابقة الضامنة للعدالة الحقة..
ومع مرور الأيام استُعِيض عن حكم الله بفقهاء القانون الوضعي، وابتعد الناس شيئا فشيئا عن تفعيل حكم رب العالمين.. فازداد الظلم والفساد، وأصبح للمجرمين منظمات دولية لها وزن في القرار والتقرير تحت غطاء ويافطة حقوق الإنسان بينما الضحايا، فلا أحد يهتم بهم أو يأتي على ذكر تظلماتهم ومعاناتهم.
وما دمنا نتبع هذا الهُراء، فلن ينعم أحد بالسلام حتى نعود ونفيء إلى حكم الله الذي خلقنا ويعرف ما يصلح لنا..
ويعد هذا العام بصدق عاما للعنف بامتياز؛ فعلى الراشدين إيقاف حمامات الدم المهراق في كل مكان…
فبالنسبة للمسلمين الإخوة الأعداء التواقين للقتال لسبب ما، فالأمر محسوم في ردع الفئة الباغية حتى ترجع إلى الجادة. قال تعالى بسورة الحجرات: ﴿ وَإِن طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا ۖ فَإِن بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَىٰ فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّىٰ تَفِيءَ إِلَىٰ أَمْرِ اللَّهِ ۚ فَإِن فَاءَتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا ۖ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ (9)﴾ فإن لم ترجع تلك الطائفة الباغيه المؤمنة عن بغيها أمر رب العالمين المسلمين بقتالها حتى ترجع الى الحق..
ولقد كثرت في هذه الآونة صراعات دنيوية دامية ليس بمقدورنا إيقافها. إنما نقدر على إسداء النصح للقلوب الواعية إيقاظا للضمائر الحية شريطة ألا تكون مندرجة ضمن الصنف المتكبر عن قَبول الحق والرجوع إلى الجادة بمراوغاته الثعلبية، ووعوده الزائفة متجلية صفته النفاقية في قوله تعالى بسورة البقرة: ” وَمِنَ النَّاسِ مَن يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيُشْهِدُ اللهَ عَلَىٰ مَا فِي قَلْبِهِ وَهُوَ أَلَدُّ الْخِصَامِ (204) إلى قوله: وَإِذَا قِيلَ لَهُ اتَّقِ اللهَ أَخَذَتْهُ الْعِزَّةُ بِالْإِثْمِ فَحَسْبُهُ جَهَنَّمُ ۚ وَلَبِئْسَ الْمِهَادُ (206)}.
فاللهم ردنا إليك ردا جميلا، وتحية خالصة أزفها لرجال الأمن الذين يخاطرون بأرواحهم لإيقاف هؤلاء المجرمين الحشاشين المُهلْوسِينَ الذين يروِّعون المارة بالوسائل الحادة المميتة كاشطين لأغراضهم، ومكسرين لأمتعتهم..
فلنحافظ جميعا على سمعة بلدنا الأمين بقيادة أمير المؤمنين سِبط رسولنا المبعوث رحمة للعالمين شافاه الله وعافاه ونسأ له في عمره، والضامن بحُكمه الرشيد ورؤيته الثاقبة المستبصرة لاستقراره وازدهاره، وتبا وتعسا للحاقدين الحاسدين الذين يسعون لزرع القلاقل بدعمهم للكيان المزروع، وعدم احترامهم لحسن الجوار واليد الممدودة لهم باستمرار لإعادة الدفء للعلاقة الدبلوماسية بالاحترام المتبادل والتعاون والتكافل وعدم التدخل في الخصوصيات…
نكتفي بهذا القدر، وإلى مقال تنويري آخر، والسلام.