مقال لدحض وحظر بدعة التهنئة بيوم الجمعة شفاهيا أو إرساليا عبر الواتساب بتلكم الزخارف الضامة لعبارتي: ” جمعة مباركة أو طيبة”
بقلم الشيخ عبد اللطيف بوعلام شيخ القراء بالمدينة الصفريوية.

لا شك أن أفضل أيام الأسبوع هو يوم الجمعة، والأحاديث في هذا الباب كثيرة من أن تُعَدّ وتُحصى، ويكفيه (أي يوم الجمعة) فخرا ذكره بسورة الجمعة في أمر الخالق الرزاق بالسعي إليه لاغتنام التجارة الحقيقية في قوله عز من قائل: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِي لِلصَّلاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ، ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنتُمْ تَعْلَمُونَ (9). لأجل الاهتمام بها وجعلها من أولى الأولويات وأهم الأشغال لاقتناص الحسنات وموافقة ساعة الرحمات.
ولما كانت الدعوة لطلب رزق الدنيا عبر عنه سبحانه وتعالى عنه بالمشي بحسب الوسع دون السعي بالهرولة مجسدا ذلك في قوله بسورة الملك: ” هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ ذَلُولًا فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِن رِّزْقِهِ، وَإِلَيْهِ النُّشُورُ (15) “.
ذلك أن خيرَ صلاةٍ يُصلّيها المسلم هي صلاة الفجر جماعةً يوم الجمعة، ومن مات فيه وقاهُ الله من عذاب القبر، فعن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ” مَا مِنْ مُسْلِمٍ يَمُوتُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ أَوْ لَيْلَةَ الْجُمُعَةِ إِلاَّ وَقَاهُ اللهُ فِتْنَةَ الْقَبْرِ “.. الحديث رواه الترمذي، وصحّحه الألبانيّ في “أحكام الجنائز”.
وإليكم أسوق بعضا من فضائل يومها:
+ عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله ﷺ: “خَيْرُ يَوْمٍ طَلَعَتْ عَلَيْهِ الشَّمْسُ يَوْمُ الْجُمُعَةِ، فِيهِ خُلِقَ آدَمُ، وَفِيهِ أُدْخِلَ الْجَنَّةَ، وَفِيهِ أُخْرِجَ مِنْهَا”. الحديث رواه مسلم.
+ وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله ﷺ:
” مَنْ تَوَضَّأَ فَأَحْسَنَ الْوُضُوءَ ثُمَّ أَتَى الْجُمُعَةَ فَاسْتَمَعَ وَأَنْصَتَ غُفِرَ لَهُ مَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْجُمُعَةِ وَزِيَادَةُ ثَلاَثَةِ أَيَّامٍ، وَمَنْ مَسَّ الْحَصَا فَقَدْ لَغَا ” الحديث أخرجه الإمام مسلم.
وإجمالا جمعا وتذكيرا أن يوم الجمعة هو خير أيام الأسبوع، وفضل الصلاة فيه سبب لمغفرة الذنوب لأن فيه ساعة لا يوافقها عبد مسلم يدعو الله إلا استجاب له..
ولذلك ترى الناس يتسابقون للتبرك به شفاهيا أو إمطارا بالرسائل الإلكترونية الضامة للتبريكات كتابة أو نقلا للصور والفيديوهات المخللة طبعا بالديكورات والأدعية المختارة، فهل هذا الأمر عليه دليل شرعي أم هو اجتهاد شخصي قرعي؟!
إذاً فما حُكم عبارة قولهم بدل السلام عليكم: ” جمعة مباركة أو طيبة “.
ابتداء تعدّ هذه التهنئة بالذات من العبارات المُستحدثة، والتي لم يأت ذكرها في السنّة ولو بإيماءة من طرف خفي، ولم يتمّ تداولها في عُصور الإسلام الأولى البتة، إذ لو كان فيها الخير لسبقونا إليها…
وإثر تطوافي بالموضوع ما وجدت أحدا من علماء الدّين الأقحاح أقر التهنئة سوى الغارقين في الصوفية البدعية، والقائلين: ” شِي بَاسْ مَا كَانْ، وهل فيها عيب؟ ما فيها إلا الخير العميم”.
وغاب عنهم أن الأمور التعبدية خاصة تُضبَط بالمحدِّدات الدينية لا الميولات النفسية: ” كَايَنْ: قال الله، وقال خير البرية، والعلماء الأجلاء الورثة الملتزمون بالتعاليم الشرعية” لا بالأهواء العشقية والذوقية..
ذلك أن التزام قول المسلم لأخيه المسلم بعد الجمعة أو كلّ جمعة “جمعة مباركة أو طيبة ” لا أثر له عند الرعيل الأول خير القرون في الحفظ والثبت؛ ولا أعلم أن فيه سُنّةً عن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، ولا عن صحابته الكرام، ولم أطّلع على أحدٍ من أهل العلم الضباط الثقات قال بمشروعيّة التهنئة..
فعلى هذا يكون الحكم على ذلك الفعل بأنه بدعةٌ محدثةٌ لا حجية له سيّما وأن العديد يعتقدون قولها أو كتابتها أو نقلها زيادة في الحسنات على وجه التعبّد وإصابة السنة، وغاب عنهم الحديث الصحيح الثابت عن النبي صلى الله عليه وسلم في لجم المخترعين والمبتدعين في الدين وإيقافهم عند حدود التطاول:
وهو قول ﷺ “مَنْ أَحْدَثَ فِي أَمْرِنَا هَذَا مَا لَيْسَ مِنْهُ فَهُوَ رَدٌّ”. أخرجه البخاري (2697) ومسلم (1718)، وفي رواية أخرى: “مَنْ عَمِلَ عَمَلاً لَيْسَ عَلَيْهِ أَمْرُنَا فَهُوَ رَدٌّ”. أخرجه مسلم (1718) بمعنى: إن أي إضافة للدين أو فعل أو قول يظهر أنه طاعة لكن لم يفعله النبي ﷺ أو صحابته أو تابعيهم أو تابعي التابعين، فهو ابتداع في دين الله..
ألا يكفي ما صح وثبت ؟؟!؟ عن
” النبيّ صلّى الله عليه وسلم قوله: ” مَنْ عَمِلَ عَمَلاً لَيْسَ عَلَيْهِ أَمْرُنَا فَهُوَ رَدٌّ “. رواه مسلم والبخاري. وأمّا إذا قال المسلم هذه العبارة لأخيه أحياناً من غير اعتقاد لثبوتها، ولا التزامٍ بها، ولا مداومة عليها، ولكن على سبيل الدّعاء، فلا أرى بها بأسا يكون، ولكن الأَوْلَى والأحوط تركها حتّى لا تصير كالسُّنّة الثابتة كما هو الشأن عندنا الآن في العديد من المسائل التي لا تمت للدين بأدنى صلة.. حيث أدخلها العديد في الأدعية المباركة بدليل هذا العرمرم من التبريكات التي تصلني من الأحباب والأصحاب المرفقة بالأزهار والمياه الرقراقة والطبيعة الخلابة، ووجدها المسترزقون صناع الفيديو والمؤثرات تجارة رابحة في ترويج منتوجاتهم المغرية في إشادتهم وإثارة الانتباه إلى فضائل يوم الجمعة متناسين رأي الشرع في هذه المسألة، والتي لا دليل لها في القرآن والسنة. ألا هل بلغت ما علمته، اللهم فاشهد ملتمسا من الجميع أن لا يبعث إلي بأي تهنئة للجمعة، ولهم كل الفضل لأن ذلك يدخل في باب الأدعية، والأذكار التي يوقف فيها عند الوارد، وهذا مجال تعبّدي محضٌ وصِرفٌ، ولو أجازه أحدهم للزم الأمر من الجواز مشروعيّة الأدعية، والمباركة عند قضاء الصّلوات الخمس وغيرها من العبادات المفروضة، والدّعاء في هذه المواضع بالذات لم يفعله سَلف هذه الأمة، فلنحذر مداخل الشيطان في الزيادة والنقصان لأنه بعد مرور الأيام سوف يتخلى معظم الناس عن صلاتها مكتفين بقولهم: ” جمعة مباركة أو طيبة أو قول عقلائهم مُكَسْكَسَة..”.
وأختم القول بعرض الأذكار المستحبّة في الجمعة، ومنها تلاوة ما تيسر من من القرآن وخاصة سورة الكهف مرفقة بالدّعاء والأذكار، والإكثار من الصّلاة على النّبي ﷺ في قوله: ” مَنْ صلَّى علَيَّ صَلاَةً وَاحِدَةً صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ عَشْرَ صَلَوَاتٍ، وَحَطَّ عَنْهُ عَشْرَ خَطيئَاتٍ.”، ويتملكني العجب في من يختزلها كتابة ب: ” صلعم أو: (ص) والله في: قال (ت) بدل تعالى، و (ض) لرضي الله عنه، وغيرها من التخريجات الترخيمية التي تدلل بالفعل على حب الله والرسول والصحابة الكرام.. آه. ولا ينقطع ذكر الله بعد الانتهاء من أدائها قال تعالى في تمام الآية الداعية للسعي لأداء فريضة الجمعة: ” فَإذَا قُضِيَتِ الصَّلاَةُ فانْتَشِرُوا فِي الأَرْضِ وَابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اللهِ وَاذْكُرُوا اللهَ كَثِيراً لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (10) “، ولعل في حق الله واجبة بمعنى ستفلحون، وفي حقنا للترجي انتظارا..
وفقنا الله لما فيه الخير، وهدانا وإياكم سواء السبيل بالحجة والدليل. آمين آمين يا رب العالمين.