
قرار الدولة الأردنية بحل جماعة الإخوان المسلمين اليوم، واعتبارها جماعة غير شرعية، ومصادرة أملاكها واعتقال بعض أفرادها بتهمة التحضير لعمل إرهابي، هو قرار ستكون له تداعيات سلبية على الأردن والمنطقة في المستقبل القريب.
قد يكون القرار مرتبطا بإلزامات خارج الأردن، تتعلق بالروابط مع إصرائيل والولايات المتحدة الأمريكية، وبالوضع في فلسطين ومحاولة قطع امتدادات حركة حماااس خارج فلسطين وعزلها على المستوى الإقليمي، على اعتبار ان الحركة تنتمي إلى تيار الإخوان.
الجهات التي صفقت للقرار خارج الأردن وابتهجت له وتحمست تمتلك رؤية قصيرة جدا لا ترى أبعد من أنفها، وليس هناك منطق ولا شرع يطالب بالرؤية القصيرة جدا ما عدا في السجود، حيث يتعين النظر إلى موضع السجود فقط، أما في غير السجود فالنظر القصير آفة.
تزايد التضييق على تنظيمات الجماعة في العالم العربي يهدد الأمن الداخلي على المدى المتوسط والبعيد. الدول العربية تصدر قرارات المنع من أجل الأمن، لكنها بتلك القرارات تضيف المزيد من التهديدات الأمنية في المستقبل، وذلك لأسباب عدة، على رأسها أن هذه التنظيمات موجودة بالقوة لا يالقانون، أي أن لها امتدادات داخل المجتمع فكريا وسياسيا ولم تفرض على المجتمع بالقانون كما هو الأمر مع الأحزاب السياسية الأخرى، فالحزب السياسي يمكن حله بقرار قانوني وسوف يموت تلقائيا بقرار، لكن الجماعات الإسلامية لا يمكن أن ينطبق عليها هذا الأمر، والتصريح القانوني لها لا يخلقها من العدم كما يخلق الحزب السياسي، وإنما يؤطرها فحسب ويجعل عملها تحت ضوء القانون المحلي، لكن قرار المنع لا يعني نهايتها.
أعتقد أن القليلين جدا في العالم العربي من الباحثين والسياسيين لا يفهمون هذه النقطة جيدا، لذلك يطرحون تصورات خاطئة حول التعامل مع الإسلاميين تنطلق من نمط الحزب السياسي، وهو ما يفسر لنا فشل الدولة في العالم العربي في التعامل مع تنظيمات الإسلام السياسي وفي دمجها في العمل السياسي بشكل طبيعي، هذا بالإضافة إلى أن المواقف الرسمية من هذه التنظيمات ليست مواقف محلية فقط بل فيها شراكة بين الداخل والخارج، وهي إحدى القضايا الكبرى الدالة على التدخلات الخارجية في الشؤون الداخلية. وبقرارات الحظر لا تفعل الدول العربية سوى تأجيل المواجهة وزيادة التوتر مستقبلا، والتشجيع على العمل السري.
أما فيما يتعلق بالإرهاب فإن أي عمل إرهابي هو عمل مدان ويجب أن تطبق عليه القوانين إذا صح الاتهام وكانت المحاكمات أوروبية لا عربية، ولكن الدول العربية تقع في الانتقائية في هذا المجال. فإذا كان يجب محاكمة أي مواطن يقترف عملا إرهابيا فإن الياهود العرب مواطنون، وهم يمارسون الإرهاب في فلسطين ومجندون في جيش إصرائيل، والعدالة تقتضي محاكمتهم في بلدانهم الأولى كما يحاكم أي مواطن يذهب إلى مناطق التوتر، أو تجريدهم من الجنسية، وإلا كانت المواطنة نوعين.
المشكلة التي تواجهها الدول العربية الحديثة بكل وضوح هي أنها ما تزال في مرحلة تدبير سياسات الدول الكبرى على الصعيد الداخلي، ورعاية مصالحها السياسية والاقتصادية والاستراتيجية في الداخل، وبسبب هذا التدبير يستحيل أن تتحقق الديمقراطية والتعايش والإجماع السياسي، لأن من شروط الديمقراطية تحقق الإجماع بين مختلف أفراد المجتمع على ثوابت مشتركة تشمل الجميع وفق قواعد متفق عليها داخليا، وهذا ما صنعته أوروبا فتجاوزتنا.
للتوسع حول هذه القضايا يمكن العودة إلى كتابنا الصادر هذا الشهر تحت عنوان”الجهاد والتكفير والدولة المعاصرة”، وهو متاح حاليا بمعرض الكتاب بالرباط في رواق افريقيا الشرق.