رأي

معادلة الصراع بين الحركات الإسلامية والغرب قراءة نقدية بين مشروعي حركة طالبان وهيئة تحرير الشام

عبدالله اليوسفي :باحث في العلوم السياسية والعلاقات الدولية

عشت تجارب كثيرة مع الحركة الإسلامية سواء في تونس أو ليبيا أو مصر أو المغرب أو حتى أثناء متابعتي الحثيثة من بعيد للتيارات الجهادية سواء في الشام أو في أفغانستان..
ومن خلال البحث والتتبع يتبين لك أن الحركات الإسلامية التي حاولت إرضاء الغرب بشكل أو بآخر ؛ وقدمت تنازلات لا حصر لها ؛ وانقلبت على مبادئها وثوابتها أحيانا ؛ هذه الحركات رغم تقديمها لكل التنازلات لم يرضى عنها الغرب ولم يتسامح معها ولم يستوعبها في منظومته الدولية ؛ والسبب ببساطة أن الغرب لا يطلب منك فقط تقبل فلسفته الفكرية ؛ والانخراط في منظومته السياسية ؛ بل لا يرضى بأقل من الخضوع والانبطاح التام ! فهو لا يترك لك خيارا أكثر ؛ إما الانبطاح والخضوع والاستسلام التام ؛ أو تُقصى وتُستأصل بطريقة أو بأخرى ! ( تجربة مصر – تونس – ليبيا – الأردن ـ جبهة الإنقاذ في الجزائر – حماس في غزة ـ )
وهذا ما فهمته حركة طالبان واستوعبت الدرس جيدا فتجنبت الوقوع في هذا الفخ ! بينما لا زال قادة الحركة الإسلامية في سوريا يحاولون استرضاء الغرب الذي لا ولن يرضى عنهم – حتى تتبع ملتهم ـ / ” حتى يردوكم عن دينكم إن استطاعوا ”
طالبان من بداية المفاوضات كانوا في منتهى الوضوح مع خصومهم ومع شعبهم ، ووضعوا خطوطا حمراء؛ وفرضوا ثوابت لا يمكن التنازل عنها مهما كان الثمن !! حتى لو تستمر الحرب 20 عاما أخرى كما صرح ذبيح الله ؛ هذه الثوابت هي حاكمية الشريعة الإسلامية بشموليتها؛ ثم السيادة الوطنية للبلاد ؛ بحيث أكدت الحركة للغرب أن أفغانستان لن تتنازل عن حكم الشريعة ؛ ولن ترضى ولن تقبل أن تكون تحت أي وصاية من أي جهة ؛ ولن تقبل بأي تدخل خارجي في شؤونها الداخلية ؛ وقد أثبتت الحركة هذا من خلال سلوكها وممارستها للحكم؛ فحين قام الغرب بكل أدواته الإعلامية المسعورة ؛ لتشويه أفغانستان ؛ وترويج أن الحركة تقمع المرأة وتمنع التعليم وتنتهك حقوق النساء وووو استمرت الحركة في منهجها دون الالتفات لهذه الضغوط ؛ حتى أنها تعرضت لتهديدات جدية تهدد وجودها؛ مع ذلك لم تخضع !
وحين طالب ترمب تسليم السلاح الأمريكي الذي تركه الأمريكان عند انسحابهم رفضت الحركة ذلك ؛ ورد عليه قائد الجيش الأفغاني قاري فصيح الدين على ترامب بقوله : ” تعال خذه إن استطعت في تحد واضح للإدارة الأمريكية الجديدة. !! ”
لذلك تلاحظ معي أن الغرب لم يعترف إلى اليوم بسلطة الأمر الواقع في أفغانستان ؛ ولم تستطع ولا دولة عربية أو إسلامية فتح سفارتها في كابل ؛ ولا حتى التقارب مع أفغانستان ولو من باب حسن النية ؛ الحركة في أفغانستان لم تستقبل الوفود الغربية والعربية المُهنئة بالتحرير كما تلقاها الجولاني في سوريا ؛ كما أن الحركة لم تستقبل ولا زعيم عربي أو إسلامي في كابل !!
مع أن الحركة في أفغانستان تتوفر على كل الشروط التي يفرضها القانون الدولي للحصول على الاعتراف الدولي !!
فهي تسيطر على كافة التراب الأفغاني؛ ولا يوجد شبر واحد خارج سيطرتها؛ ولها سلطة سياسية قائمة ؛ ولها سيادة على الحدود وعلى البر والجو ؛ مع كل هذا الغرب لا ولن يعترف بها إلا إذا خضعت وانبطحت، وأصبحت جزء من المنظومة التبعية للغرب في المنطقة. !
بينما في سوريا الجولاني لا تتوفر فيه كل هذه الشروط ؛ فهو لا يسيطر بشكل فعلي على كل سوريا ؛ سوريا الآن ممزقة بين أراضي يسيطر عليها الكيان الصهيوني ؛ وأراضي تحت سيطرة قسد ؛ والباقي تحت سيطرة لواء الجنوب الموالي للإمارات ( العودة // حفتر سوريا ) مع ذلك الغرب لا مانع لديه في رفع الحظر عن الجولاني وجماعته ؛ فبريطانيا رفعت الحظر عن أهم المؤسسات الأمنية والعسكرية؛ وفي تقديري أن الغرب سيرفع الحظر عن سوريا ؛ وقد رفع علم سوريا الجديد على مقر الأمم المتحدة ؛ ولم يعطى هذا الحق لأفغانستان كدولة عضو في الأمم المتحدة!!
المساعدة السابقة لوزير الخارجية الأمريكي لشؤون الشرق الأدنى بابرا ليف في مقابلة مع القناة 12 الإسرائيلية صرحت أن أحمد الشرع تعهد بشكل صريح وبوضوح لا لبس فيه بأن سوريا لن تكون مصدر تهديد لإسرائيل، وأن الشرع متفهم للمخاوف الإسرائيلية ، وأكد أنه لن يسمح لأي جهة أو دولة بتهديد إسرائيل من الأراضي السورية، وفي نفس السياق قالت بابرا ليف أن الشرع يريد علاقات جيدة مع الأطراف الإقليمية ، وهناك أمل في فتح فصل جديد بين إسرائيل وسوريا في ظل رئاسته…
يفهم من هذا التصريح ومما تسرب من معلومات ومواقف للإدارة السورية الجديدة ، وكذا من تصريحات الساسة الغربيين ، أن المساعدات ستتدفق إلى سوريا ويتدفق الدعم ؛ وسيعاد إعمار سوريا ويتم تثبيت سلطة الأمر الواقع ؛ لأن الجولاني مستعد لتقديم تنازلات أكبر من أجل رفع التصنيف ورفع الحظر !! لكن السؤال الأهم هنا ماهو الثمن وما المقابل ؟! هل وضع الجولاني خطوط حُمر على بعض المبادئ والثوابت التي لا يمكن التنازل عنها ؟! ماهي حدود تنازلاته ؟! هل أحد يعرف إلى أي مدى سيستمر التنازل ؟ ثم موقف الجهاديين رفاق أحمد الشرع في هكذا تغيرات تمس جوهر الحركة وتوجهها وخلفيتها الإسلامية والعقدية ؟
طبعا الغرب ليس جمعية خيرية ولن يعطي دون أن يأخذ؛ وما يأخذه أكثر مما يعطي؛ ولا أظن أن الثمن سيكون أقل من التطبيع؛ كما هو معلوم أن الغرب لا يسمح بوجود أي قوة إقليمية تهدد الأمن القومي الأمريكي؛ ونقصد بالأمن القومي الأمريكي إسرائيل بكل بساطة
هذا الكيان هو درة تاج المصالح الأمريكية في المنطقة والعالم ؛ وبالتالي لن تسمح الولايات المتحدة بظهور أي قوة تهدده ! وهم يعملون بكل قواهم لتثبيت منظومة إقليمية حامية لإسرائيل؛ ولن يسمحوا للجولاني ولا لغيره أن يكون حالة استثناء في المنطق؛ فالعمق الاستراتيجي الذي تتمتع به سوريا لا يسمح أن يكون هناك قوة معادية للغرب بشكل عام ولإسرائيل بشكل خاص.
الآن قد يقول قائل : هل تريد من الشرع أن يدخل في الحرب مع اسرائيل وهو لا يزال يحاول بناء الدولة وتثبيت الحكم ؛ ولملمة شتات السوريين ؟! هل تريد من الشرع الدخول في حرب مع اسرائيل كي يُدخل سوريا في نفق مظلم آخر من أتون حرب لا تنتهي ؟

الجواب : لا أحد يطلب من الشرع الدخول في حرب شاملة مع الكيان ؛ هذا أولا. نحن ندرك حجم أحمد الشرع وإمكانانه ؛ هو يستطيع فقط مواجهة خصومه من الفصائل والقضاء عليهم واحدا تلو الآخر؛ غير هذا فهو أعجز..
ثانيا : كيف سيسترد الشرع الأراضي التي احتلتها إسرائيل في الأشهر الأخيرة ؟! هل لديه خطة واضحة لهذا ؟
طبعا لا خيار أمامه؛ إما المفاوضات أو المواجهة الشاملة ؛ أما المفاوضات فالاحتلال لن ينسحب بالمفاوضات وإن فعل فسيكون مقابل انسحابه ثمن باهض؛ لأنهم في تل أبيب يعتبرون هذا الانتشار الواسع في سوريا فرصة تاريخية نادرا ما تحصل !! وإذا؛ فالانسحاب الإسرائيلي إن كان عبر المفاوضات سيكون لها ثمن باهض ؛ على حساب الأيديولوجيا وعلى حساب المرجعية الإسلامية نفسها !! وإذا؛ الاحتلال لم يترك لك خيارا إلا المواجهة عاجلة أو آجلة.
هنا قد يقول قائل إذا تؤجل المعركة إلى حين تثبيت الحكم وبناء الدولة ؛ لكن هل سيعطونه الفرصة حتى يكبر ؟! هم يقصقصون جناحه قبل أن يطير ؛ إن كان يعتقد أنه ذكي وداهية ؛ ويتقن فن اللعب على الحبال ؛ ويتقن المراوغة والحيل ؛ ويمارس التقية ويضلل الغرب ؛ فهناك من هو أكثر منك دهاءا وحيلة ومكرا وخديعة ؛ المنظومة الغربية هذه عمرها أكثر من 100 سنة ؛ ومرت فيها تجارب كثيرة؛ لا تستطيع تضليل الغرب ولا التحايل عليه ؛ خاصة وهم يعرفونه جيدا ويعرفون ماضيه وحاضره

والحل ؟!
الحل هو أن تكون واضحا من البداية مع شعبك وجمهورك ومع من وضعوا الثقة فيك من البداية ؛ وتعمل من الآن على الإعداد والعدة؛ ولا أقل من هذا أن تبحث عن حلفاء تمضي معهم في حلف تأخذ فيه وتعطي دون أن تكون خاضعا تابعا ..
الغرب لن ترضيه تنازلاتك مهما حاولت ؛ لأن الصراع بينك و بينهم عقدي وجودي مصيري ؛ فإما هم أو أنت ؛ ولا أحد في هذه المعادلة مستعد للتنازل عن مستقبله في الحياة !
ثانيا : كل التجارب السابقة التي حاولت تضليل الغرب ؛ فشلت ؛ حاول الإخوان في مصر العمل على التمسكن حتى التمكن لكنهم أجهزوا عليهم قبل أن يمسكوا مفاصل الدولة ؛ ومثله حصل مع النهضة في تونس ؛ علما أن النهضة تخلت حتى عن مرجعيتها الإسلامية مع ذلك لم يرحموها

ثالثا : لا حل مع الغرب سوى أن تسعى لبناء ذاتك وتعتمد على الله أولا ثم على شعبك وما تملكه من إمكانات وطاقات ومقدرات ؛ وتسعى في نفس الوقت لكسب حلفاء لا يرغمونك على التنازل والتخلي عن مبادئك ! يكون التحالف على أساس منطق رابح / رابح؛ وليس بمنطق التبعية.
مثلا الصين / الهند / جنوب افريقيا / البرازيل / باكستان / تركيا وغيرها من القوى الصاعدة والفاعلة في النظام الدولي.

رابعا : في عالم السياسة لا نحلل بحسن الظن ولا بسوء الظن ؛ بل نراقب تصرف وسلوك صانع القرار ؛ نرصد السلوك ونتابع الأحداث ونحلل المعطيات ونبني عليها ؛ لا يوجد منهج علمي في التحليل السياسي اسمه حسن الظن !!

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى