
في معنى التفكير:
هو عملية عقلية تهدف إلى فهم وتحليل الظواهر والبيانات والخبرات، وهو كذلك سبيل لتوليد الأفكار والمفاهيم لصنع القرارات، وقد يكون منطقيا، أو إبداعيا، أو طريقة نقدية، تروم تحسين الأفهام ، وحل المشكلات.
والمفكر هو المحلل، المؤلف، المستنتج على أساس اعتماد العلوم، والنظريات، والأطروحات الفلسفية ، ولا يعوق التفكير إلا الانحياز والتحيز ، والغموض والتبسيط المفرط.
ويختلف التفقه عن التفكير ، في كون الأول نقلي نصوصي، ينطلق من المدونات والمؤلفات، في حين أن الثاني عقلي ابتداء، ينطلق من السؤال والتأمل.
لكن لماذا نسمع الآن من يقول:
لا تفكروا بل نفذوا.؟
لاتفكروا بل ادفعواما عليكم من واجبات مالية.؟
لا تفكروا بل آمنوا؟
وقد تسمع من يقول: فكروا قدر ما تريدون ولكن اسمعوا و أطيعوا؟
لأن التفكير خطره جسيم ، إذا لم يتم على وجوهه وبإحترام شروطه، مع هشاشة دور المعلم، والضابط، والخازن، والقدوات الدينية الاجتماعية، لأن هؤلاء آليات لا تفكر، والتفكير يستطيع أن يخرج هذه الآليات من منغلقاتها إلى إمكانات لا يفي بها، ولا يقدر عليها.
من هنا جاءت محاربة المفكر باللامفكر، بالرفع من مستوى الطاعة والأمر والقمع، باعتبار أن المفكر مضر غير نافع ، زائد غير مطلوب، دخيل غير أصيل.
التفكير عاصفة وليس عاطفة:
نعم هو عصف وعاصفة، بعيد عن العاطفة، هو جوع نادر، هو مهنة عريقة، لكنها مهجورةعندنا، ولهذا فالمفكر الذي يعيش في إطارات آليات اللاتفكير المعصومة، يعيش الوحدةوالذعر و الخوف، لأنه عندهم مضر غير نافع، علما أن آليات الضبط والعنف، هي المضرة، لأنها لا تقوم بما هو تفكير وتخضع في اللامفكر فيه.
التفكير خلق وإبداع ومقاومة:
يقول جيل دولوز:” إن الفكر هو أن تخلق، وأن تخلق يعني أن تقاوم كل ما هو راهن”
فالتفكير خلق ومقاومة، خلق بأن تفكر بلا ذاكرة جاهزة، دون خطاب يمجد المقدس ويهرب من المدنس، وهو مقاومة، لأنه تفكير معاند يقف في وجه الإقصاء والإلغاء والإفناء.
التفكير بهذا بناء في الفراغ، وإحداث لثقوب في كل فكر يحيط بنا من كل جهة، فالثقوب المبثوتة في فكرنا تجعل فكرنا ممكنا.
فهل التفكير معركة؟
نعم ،فإذا كنا اليوم نفاوض حول الحدود والسدود والنفوذ، فغذا سنفاوض حول ذاكرتنا، بل وحول هويتنا.
فالغرب ليس عدوا لنا، وإنما له أوهام مثل أوهامنا، أساطير مثل أساطيرنا، سيستخدمها ضدنا، لكنه قد يسطر لنا أفقا لنفكر إلى حدوده، فإذا أردنا أن نمارس حقنا في هذه المهارة، بل يجب أن نفكر، لأننا قادرون على ذلك لمقاومة هذه المنهجية الغربية في إخضاعنا وإلحاقنا به ، كعبيد مشوهي الفكر ، الذي لا فائدة فيه ولا مستقبل.
شروط التفكير:
إذا كان لا بد من خوض مغامرة التفكير لا بد من شرطين:
– التضحية بجزء من ذاكرتنا.
– أن نترك التفكير من خلال هياكل الثرات وحوانيته.
فلا يستقيم التفكير إلا بالتفكير مع الآخر وضده، وبإدراك أن التفكير ليس حوارا، بل هو القدرة على اختراع إمكانات جديدة للحوار، وإيجاد طرق لتحصينه بطرح أسئلة مربكة.
فالتفكير هو إحراج وإخراج، وليس مذهبا أو موسوعة من المعارف، فمن سيقرأ للمفكرين سيفكر كما فكروا، وسيذكر سبب امتلائه الفكري والمعرفي ، وهو وإن كان صعبا ومستحيلا يبقى من الضروري خلق حوار مع الآخرين، بشرط أن يكون التفكير معهم من الداخل لا من الخارج أي من داخل همومنا ومشاكلنا.
وقد يكون سوء فهمنا لهم راجع إلى عدم قدرتنا على التفكير بالمشي إلى جانبهم، وأن عدم إتقان استعمال وسائل النظر والتأمل كما يفعلون، يسببان فقداننا القدرة على بناء إمكانات جديدة لتفكير أسمى، الذي يجعلنا نعيش في حدود الإشكالات التي يفكرون بها.
إن عدم القدرة في بناء إمكانات جديدة للتفكير، والانحباس في الإشكالات التي يفكر فيها، يسبب عدم فهم الفلاسفة والمفكرين ، وعدم مسايرتهم، والمشي معهم، وعدم إتقان استعمال وسائل التفكير التي يستعملونهافي الأداء النظري التفكيري.
فالحوار المثمر هو محاولة التفكير مع الآخرين وضدهم في نفس الوقت، فهو الطريق لخلق الممكن، فالتفكير وليد وولادة للمستقبل بامكاناته الجديدة.
فليس هناك تفكير متأخر، وليس هناك تفكير يؤرخ للحاضر، بل هناك تفكير يخلق الحاضر وبيئته.
ولما كان التفكير خلق للامكان بإنشاء حقول مفهومية جديدة وجدت المقاومة التي لا تفي بالمعنى السائد، الذي هو مقاومة الغرب كعدو سياسي، بل مقاومته كنموذج للكينونةالمفروضة على العالم حاليا، فالتوقيع في التفكير على الذات كذبة والتفكير الكوني صدق..ومصداقية.
خلاصات:
– التفكير ممكن لنا وللكل باعتبارنا نملك سببا مختلفاعن الغرب.
– فالفلسفة بما هي أسلوب في التفكير كونية باختلافها لا بفرادتها.
– التفكير مع الفيلسوف إنساني كلي فإن سبق فبه يجب أن يلتحق.
– التفكير صراع حول الإعتراف الكلي الحالي.
– التفكير مقاومة المفاهيم ضد إقصاء الآخر.
– التفكير هدم حوانيت الثراث في عقولنا.
– التفكير اعتراف واستقلال قادر على إنتاج الحرية في أجسادنا وعقولنا.
– التفكير جزء من هويةالحداثة الحالية إيجابيا وسلبيا.
– التفكير مكان وزمان وحاضر وماض و تاريخ و جغرافيا.