
عندما يفتقر المجتمع إلى الهوية الثقافية التي تحدد له مسار الحياة وتمنحه المناعة والتماسك الداخلي ،تظهر فيه كثير من العاهات والأمراض الاجتماعية التي تسعى جاهدة إلى تدميره من الداخل ،وهكذا تتشكل كثير من الظواهر الاجتماعية كالانتحار والبغاء والتسول والرشوة ، إلى غير ذلك وهي ظواهر إنسانية معقدة لا يمكن تفسيرها بسبب واحد ،بل تتظافر مجموعة من الأسباب لتفسيرها . وموضوع الإلحاد الذي نحن بصدد الكلام عنه من الموضوعات المعقدة التي تقتضي أكثر من تساؤل، فهو وليد مجموعة من الأسباب سنتحدث عنها فيما بعد.
والإلحاد ظاهرة تدميرية تجعل من الإنسان الملحد شخصا تنتفي فيه كل مظاهر الإنسانية فيصبح متمركزا حول ذاته وتطغى فيه الأنانية إلى أبعد الحدود وينظر إلى كل شيء بحسب منفعته الذاتية فقط، لأن البعد الإنساني أو البعد الغيبي لم يعد حاضرا في حياته فأصبح الإنسان شيئا من الأشياء لا يعرف إلا الماديات في الحياة، وعندما يفقد الإنسان البعد الروحي فقد فقد حلاوة الحياة ،لأن الإنسان ليس شيئا جامدا وليس بهيمة، فله أحاسيس وعواطف ومشاعر لا بد أن تتحرك ،وعندما يتم طمسها أو محاولة القضاء عليها، فتلك هي بداية النهاية. وهذا ما يفسر ازدياد ظاهرة الانتحار في صفوف الملحدين، ولم يعلم الملحد أن الإنسان صمم في الأصل على العبادة فإما أن يكون عابدا لله وإما أن يكون عابدا لشيء آخر.
والإلحاد ينتشر في المجتمعات الغربية لأسباب ذاتية وموضوعية ولكن عندما ينتشر في مجتمعاتنا التي لا تقرأ وفي صفوف فئات ومنها عينات صغيرة السن لأسباب مختلفة فتلك هي البلوى. ولذلك أصبح الحديث عن الإلحاد أمرا ضروريا . هذا من جهة ومن جهة أخرى لماذا الحديث عن الإلحاد وأزمة التفكير أو القراءة المظلمة للوجود؟ ولماذا لا يكون الموضوع هو الإلحاد وأزمة الإيمان؟. والجواب: أن الملحد يفتقر إلى الإيمان بالله أصلا ولذلك فهو يعيش أزمة الفكر والتفكير أو أزمة القراءة المظلمة للوجود ،أما الذي يعيش أزمة الإيمان فهو الشخص الذي يقر بوجود الله ولكن لا أثر لذلك الإيمان في واقع حياته. ولذلك ما الفرق بين الملحد وبين من يقر بوجود الله دون أن يكون هناك أثر لذلك الإيمان في واقع حياته؟.
والجواب: أنهما يلتقيان في النتيجة.
أحدهما ينكر وجود الله والآخر يقوم بتعطيل فعل الخالق ولا يجعل له أثراً في حياة الناس.
وهنا ينبغي التساؤل:
1. ماذا نعني بالإلحاد ؟
2 . هل الإلحاد حالة ذاتية تعود إلى الشخص وبناءه النفسي ؟أم أن هناك بئآت اجتماعية تنتج الإلحاد؟
3. ما هي أسباب الإلحاد وكيف نشأ؟
4. هل يمكن إرجاع الإلحاد إلى قلة التجربة الفكرية والحياتية أي الفراغ المعرفي الذي يعيش عليه الملحد؟ أو العيش على لون معرفي واحد دون الإلمام بألوان معرفية أخرى؟
5. كيف طرحت الفلسفة موضوع الإلحاد؟ ما هو المنطق الذي يفكر به الملحد ؟وما هي الحجج التي يستند عليها ؟
وقبل الجواب نريد أن نؤكد: 1.على الإنسان أن يكون كثير الاطلاع أي له حمولة فكرية تمكنه من استيعاب ما يقوله الآخرون، ولذلك نرى أن المشكل الذي يعانيه كثير من الناس أنهم غير مطلعين إلا على نوع معرفي واحد ولا يمكن لهم أن يخرجوا عن ذلك المجال التداولي لأنهم يعتقدون أنه يمثل الحق الوحيد وليس هناك حق سواه وهذا هو عين الجهل والجحود 2. لقد قال توماس الإكويني ومن بعده فرانسيس بيكون ” إن قليلاً من الفلسفة يقرب الإنسان من الإلحاد أما التعمق في الفلسفة فيرده إلى الدين” أي على الإنسان أن يدخل إلى عالم المعرفة ليدرك حقيقة جهله ،ولذلك نرى أن كثيراً من العلماء الكبار في الرياضيات والفيزياء والبيولوجيا والجيولوجيا دخلوا إلى عالم الإيمان بالله وأقروا أن للكون خالقاً ومدبراً لا شريك له.
وبالعودة إلى الحديث عن الإلحاد فلابد من الإقرار أن الإلحاد لا يمكن إرجاع نشأته إلى فترة زمنية معينة، فكلما ابتعدت البشرية عن معرفة الخالق وقعت في براثن الإلحاد. وهكذا عرف الإلحاد في بئآت مختلفة وفترات تاريخية متعددة ولذلك إن الإلحاد يتشكل معناه ويختلف باختلاف البئآت. فنجد أن الإلحاد اليوناني يقوم على فكرة (أن الآلهة المقيمين في المكان المقدس قد ماتت) وللعلم إن اليونانيين القدماء لم يعرفوا فكرة الإله الواحد .
أما الإلحاد في الغرب الحديث فقد عبر عنه نيتشه بفظاظة وغلظة تدل على عنجهية وكبرياء ” لقد مات الله”.
كما نجد الفيلسوف الألماني فيورباخ يرى ( أن الناس يعبدون الوهم ويتخيلون إلها ويعبدونه وفق تخيلاتهم) ونسي فيورباخ أن القاعدة تقول : عدم الإيمان بالشيء إيمان بشيء آخر ، فهناك إله آخر توهمه فيورباخ وأصبح يقدم له النصح ليقول ما أراد وإذا كان كارل ماركس قد ردد في فترة متقدمة من عمره (الدين أفيون الشعوب) نظرا لما فعلته الكنيسة من جرائم إلا أنه بعد ذلك وبداية من سنة 1844 سيقول ( إن الإلحادة قد عاش وقته، إنه تعبير سلبي لا يعني شيئا بالنسبة للإشتراكيين الأصلاء، إن المعنى لديهم ليس هو إنكار الإله وإنما هو تحرير الإنسان). أما سارتر وهيدغر الذان يمثلان الجناح الملحد في الفلسفة الوجودية فقد ذهب سارتر إلى( أن الله كان يحدثنا ثم صمت) أما هيدغر فقد وقف مشدوها أمام الموت بقوله ( إنني أفكر في الموت في كل مرة ألاحظ فيها تآكل زمني لأن ما يجب أن ينتهي في يوم ما هو منتهي أساسا) وقد نجد ميشيل فوكو يرى أن المجتمع هو الذي ينتج الحقيقة ولكل مجتمع حقيقته وليست هناك حقيقة موضوعية.
ولم يكن موقف الفلاسفة موحدا فنجد ديكارت في كتابه مبادئ الفلسفة يقول (إن من واجبنا أن نتخذ لنا قاعدة معصومة أن ما أوحى به الله هو أوثق بكثير من كل ما عداه). كما نجد الفيلسوف الألمانية كانط يرد على الفيلسوف والف ( إنه من الضروري أن نؤمن بوجود الله ولكن ليس من الضروري أن نقيم البرهان عليه). فإذا كان هذا هو معنى الإلحاد عند اليونان والأوروبيين حديثا فما معنى الإلحاد عند العرب؟.
ولا بد من القول ان الإلحاد عند العرب إما أن يكون تصريحا أو تلميحا فالتصريح نجده واضحا في القولة (لقد ماتت فكرة النبوة ).كما هو الشأن عند ابن الرواندي وابن زكريا الرازي ،فالملحدون العرب اتجهوا إلى فكرة النبوة والأنبياء وتركوا الإله، بينما الإلحاد عند الشعوب الأخرى إتجه مباشرة إلى الله ،ولا فرق في النتيجة لأن كليهما سيؤدي إلى إنكار الدين ،وهناك من لا يصرح بالإلحاد ولكن قراءة نصوصه تعكس خلفية تستهين بالدين فمثلا نجد أن الفرابي يرى أن النبوة مكتسبة وليست اصطفاء والنبي إنسان له مخيلة ممتازة تمكنه من الاتصال بالعقل الفعال وهذا يعني أن النبوة ليست مختومة برسالة محمد صلى الله عليه وسلم وان كل إنسان له مخيلة ممتازة يمكن أن يكون نبيا. وإلى جانب ذلك يرى أن الفيلسوف بدوره يتصل بالعقل الفعال، ولكن عن طريق المنطق والاستدلال، وهذا يعني أن منتوج المنطق أفضل من منتوج المخيلة وبالتالي الفلسفة أفضل من الشريعة والفيلسوف أفضل من النبي.
وقس على ذلك بعض نصوص ابن سيناء وابن رشد ولكن هؤلاء الفلاسفة لم يصلوا إلى ما وصل إليه ابن الرواندي وابن زكريا الرازي.
ولذلك لا يمكن إرجاع الإلحاد إلى فترة زمنية محددة أو إلى بيئة دون أخرى ولكن الإلحاد يرتبط بالواقع السياسي والاجتماعي والفكري والعقائدي الذي يعيش فيه الشخص المتبني للإلحاد فالمجتمع اليوناني قد ساده الظلم والعبودية والطبقية وكان مجتمعا وثنيا بامتياز، كما أن المجتمع الأوروبي الحديث ساده ظلم الكنيسة حيث أصبحت إديولوجية الطبق الإقطاعية، ومن ثم كانت ممارساتها الشنيعة هي السبب في النفور من المسيحية مما فتح الباب واسعا لمختلف التصورات أن تسود المجتمع وتنادي برؤى مختلفة تصب كلها في اتجاه واحد هو الابتعاد عن المسيحية، كما رأينا ذلك عند كثير من الفلاسفة بالإضافة إلى ما كان يقوم به اليهود من محاولات من أجل تدمير بيئة المجتمع المسيحي، فقد ورد في البروتوكول الرابع (يجب علينا أن ننزع فكرة الله ذاتها من عقول غير اليهود وأن نضع مكانها عمليات حسابية وضرورات مادية) أما في مجتمعاتنا المعرضة للغزو الفكري والسلوكي وكل الأمراض والعاهات الاجتماعية فلقد أصبح الإلحاد عند البعض موضة فكرية وسلوكا يوميا، وهؤلاء سقطوا في براثن التقليد وقد يرجع الأمر إلى الفراغ الفكري الذي يعيشون عليه وضعف تكوينهم المعرفي.
وقد يجد كثير من الملحدين أسبابا تدفعهم إلى ذلك.
أولا .الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية البالغة السوء مما يدفع البعض إلى الانتحار فالظلم والاستبداد والحيف وعدم تكافؤ الفرص وغياب العدل وثقافة التمزق الواردة من الغرب كما يجد في المجتمع أحيانا من يدعم هواه.
ثانيا : التفكك الأسري والتربية المنحرفة أو المنعدمة أصلا .
ثالثا: الفراغ الفكري وعدم تتبع مجريات النظريات العلمية وعدم الإقبال على قراءة إلا ما يوافق هوى نفسه ،فالملحد يبحث دوما عن ما يدعم رؤيته وهذا يتنافى مع البحث عن الحقيقة .
رابعا انعدام نظرية متماسكة تقدمها المدرسة ابتغاء بناء العقل والروح والجسد.
خامسا : عدم تقديم الصورة الحقيقية والواضحة عن الدين الإسلامي ، وهنا أريد أن أتساءل دون أن أجيب.:
– ما هي الصورة تقدمها المدرسة المغربية عن الإسلام؟ .
– ما هي الصورة تقدمها المجالس العلمية عن الإسلام؟
– ما هي الصورة تقدمها المدارس العتيقة عن الإسلام؟
– هل تستطيع المدرسة المغربية والمجالس العلمية والمدارس العتيقة أن تجيب عن الأسئلة التي يطرحها الشباب المدمر والذي مزقته وسائل الإعلام المأجورة والأفكار الغربية؟.
سادساً : سيطرت الحياة المادية سادساً سيطرت الحياة المادية وشيوع نمط حياة الاستهلاك وظهور عقلية حب الأشياء التي تصب في مبدأ حيوانية الإنسان ،كل ذلك يؤدي بالإنسان إلى رفض عالم الغيب والانغماس داخل حياة اللذة الحسية التي يريدها الملحد بدون قيود . انطلاقاً مما تقدم ماذا نعني بالإلحاد؟ وما هي صفات الملحدين وحججهم التي يستندون عليها؟ وفي الأخير كيف يمكن معالجة الملحد؟ .
– فقد يعني الإلحاد رفض وجود الله أو نفيه.
– كما يعني الإنكار والجحود أو العناد والمكابرة والتعويم اوالتعميم من خلال الإنسان ،وهو أمر لا يتم بشكل موضوعي إنما يعود إلى العوامل الذاتية. وكم من شخص اتهم بالإلحاد لمجرد أنه لا يشارك الآخرين في رؤية عن الإله. فمثلاً مسألة التكفير تنتج عن مخالفة الشخص لفهم الأمور والأشياء فهناك من يعتقد أن فهمه هو الفهم الصحيح وغيره على خطأ ومن ثم يتعين تكفيره كما أن الإلحاد قد يصبح مجرد واجهة تبريرية لكيل الاتهام والتخلص من الخصوم. وهناك من اتهم الذين يقولون بأن الإله خالق الكون ولكن دون تحكم وبدون اختصاصات وبدون وحي كفولتير ورسو ومونتسكيو، أو كما قال أبيقور اليوناني : “إن الآلهة خلقوا العالم ولكن عليهم أن لا يتدخلوا في شؤون الناس”.
إن الإلحاد ملتبس في حقيقته يستغل في تبرير مواقف الاتهام أو يتخذ كرداء لتغطية إفلاس المعرفة حتى تتجه إلى المكابرة والعناد فالإلحاد إن كان يلتزم بالإنكار في البداية فقد يتم الإنكار على مستوى حقيقة الذات قبل إنكار حقيقة الإله ،فقد أنكر الإنسان ذاته لأنه لم يعترف بنسبية معرفتها بل جعل من أحكامه أحكاما مطلقة وهذا مخالف لحقيقة وطبيعة الإنسان وهذه الأحكام المطلقة تتجلى في قول بعضهم إنه اكتشف حقيقة نشأة الكون مجسدة في المادة الخالقة لنفسها بنفسها وإذا كان الأمر هكذا فما هي أدلة وحجج الملحدين؟
1. يرى الملحد أنه إذا كان الله موجودا فعلي أن أراه بالعين .
– وهنا لا بد أن نقول إن وسائل رؤيتنا كالعين مثلا لا ترى إلا الأشياء الحسية وعالم الغيب عالم له خصائصه ولذلك يلجأ الملحد إلى إنكاره لأنه لا يؤمن إلا بالحواس فهو يريد أن يطبق معايير رؤية عالم الشهادة على عالم الغيب وذلك هو الجهل.
– لكن ينبغي التساؤل هل كل ما لا تراه العين غير موجود?.
وكلام الملحد يختلف مع ما ذهب اليه العلم المعاصر: إن العلم المعاصر لم يتطور الا بعد تخلصه من العالم المحسوس. ولم يعلم الملحد كيف تطورت الرياضيات والفيزياء. ولم يعرف كيف حدث ذلك الانقلاب الهائل في علم الرياضيات الذي على اساسه شيد العلم المعاصر فلم تتطور الرياضيات الا بعد تخلصها من الواقع الحسي بخلاف ما كانت عليه الرياضيات القديمة مع اليونان.
– ثم ان هذا الامر يعكس طفولة البشرية التي لا تؤمن الا بما تراه العين. لان ليس لها القدرة على التأمل والتفكير والحدس وليس لها القدرة على معرفة ما هو مجرد.
– ثم لو كنا نرى الله باعيننا لما بقي للحياة من معنى ولا ما بقي للثواب والعقاب او الجنة والنار من قيمة.
– ثم ان الانسان يفقد قيمته وانسانيته. فالانسان الذي يفعل الشيء عن قناعة ليس كالانسان الذي يفعل الشيء بالاكراه وتحت المراقبة الحسية.
– كما اننا قمنا بتعطيل مهمة العقل والقلب ورفعنا من قيمة الحواس وهو الامر الذي يتناقض مع المنطق العلمي.
– ثانيا . ان الملحد لا يعترف بالحدود. ولا بالخطوط الحمراء في الحياة. وهو امر مخالف لمنطق الوجود المبني على النظام والتنظيم. فهو يعيش الحياة بدون ضوابط ويفعل ما تدفعه له نفسه ولو فعل كل افعال البهائم دون ان يشعر بان عليه مسؤولية ،فهو يريد ان يتخلص من التكاليف، ولقد ثبت ان سارتر عاش مع سيمون ديبوفوار. بدون عقد مدة طويلة من الزمن. وتأسفا لانهما لم ينجبا طفلا. وهناك في مجتمعاتنا من ينكر انه مسلم لكي تكون له حرية التصرف كما يجب ويشتهي. ثالثا. ومن صفات الملحد انه كثير الاعتراض بدون حجة اللهم ما تقدمه له الحواس. وقديما قالوا (من قل علمه كثر اعتراضه). فعليه ان يدخل الى عالم المعرفة ليدرك حقيقة جهله. وكما قال شوبنهاور (كلما ضعف الانسان في القوة العقلية طغت مفاهيم الوجود في نظره. فكل شيء يحمل كيفية لخلقه وسببا لحدوثه.)
رابعا . ان الملحد لا يمارس التأمل. ومن ثم غاب عنه جوهر الحياة. وانما يطلق العنان لانفعاله الذي ينفي به كل شيء، وهو سلاح العاجزين. وقد غاب عنه ان غاليلي قال (ان الطبيعة مكتوبة بلغة رياضية) الامر الذي جعل ديكارت يقول (ان الله عالم هندسة)، لانه بهر بالنظام والتنظيم الذي يسود في الكون ولذلك قال علماء التوحيد (تأملوا في خلق الله ولا تتأملوا في ذات الله ) لان الفعل يدل على الفاعل.
خامسا .ان الملحد عندما يعلن الحاده مخالفا الجمهور يظن انه اتخذ موقفا بطوليا. يستحق التبجيل، ولم يعلم انه يمثل اسوء المراحل التي مرت منها البشرية وغاب عنه ان عبقرية الانسان لا يمكن اشباعها بالمستهلكات ورفع الشعارات وانما بالتصدي لعمق الاشكاليات. كاشكالية مصير الانسان والغاية من وجوده. فالملحد اعتقد انه دفن الاله. وفي الحقيقة انما دفن الانسان.
سادسا . والملحد شخص مستلب الفكر والارادة فهو يدعي المعرفة والمبالغة في اصدار الاحكام والتنطع والقفز فوق رؤوس جبال المعرفة فهو بذلك يمثل حالة من الافلاس الفكري والسلوكي والاخلاقي وحالة من الانهزام والتمركز حول الذات والانانية المفرطة.
سابعا. ان احكام الملحد تكون دائما احكاما مطلقة ،علما ان المعرفة الانسانية هي معرفة نسبية. وبذلك فهو يتجاوز عالم المعرفة ليدخل الى عالم الجهل باصداره الاحكام المطلقة. فهو يعتبر نفسه المالك للحقيقة وغيره على ضلال.
ثامنا. ان الملحد يبيح لنفسه ما حرمه على الاخرين. حرم على الاخرين من المؤمنين ان يقولوا بالوجود الغيبي للاله. بينما احل لنفسه ان يلجأ الى غيبية البرهان في النشأة المادية للكون. فهو بذلك مارس الدليل الغيبي في الوقت الذي ينكره على الاخرين.
تاسعا . وحتى من سلموا بوجود الاله. بعد ان جردوه من صفاته. يحق لنا ان نتسائل كيف يمكن لاله اعطيناه الحق في خلق الكون ونمنعه من تسييره؟ وهؤلاء يصورون الاله بلا وحي وبلا مهمة ورفضوا ان يكون لله حضوره في الكون والمجتمع. وهنا يحق لنا ان نتسائل ما الفرق بين المنكر لوجود الله اصلا والذي يؤمن بوجوده ولكن لا اثر لذلك الإيمان في واقع حياته ؟.
فقد كان عرب الجاهلية يقولون “ما نعبدهم الا ليقربونا الى الله زلفى ” انهم يؤمنون بوجود الله ولكن لا اثر لذلك الايمان في حياتهم ثم جاء الاسلام ليخطرهم ان ايمانهم وعبادتهم لا معنى لها وقس على ذلك اولئك الناس الذين يدعون الى ممارسة الزنا جهارا نهارا بحجة الحقوق الفردية الخاصة بالانسان والملكية الجسمية ،فهل يؤمن هؤلاء بضرورة ان يسير الخالق امور عباده؟ .
إن ما ابداه بعض مفكري الغرب من تحفظات حول المسيحية جاءت نتيجة للاوضاع الدينية والاجتماعية والاقتصادية. وبالاخص تلك الممارسات ايام عصر النهضة الاوروبية.ولكن سانسيمون يرى ان العلم والدين تجمعهما ارضية الوفاق والحوار لان كليهما لازم ضروري لتحرير واسعاد الانسان.
انه لابد من فتح حوار هادئ مع الملحد مبني على المنطق العلمي حتى يمكن تصحيح كل المفاهيم التي يستند عليها. ولابد من تقديم معاملة انسانية يفتقر اليها. علما ان الملحد لا يؤمن بنسبية المعرفة. او الحق في الاختلاف. صحيح ان مسألة الالحاد تعود الى اوضاع اجتماعية مختلفة. والى تربية منحرفة. ولكن لابد من الاشارة إلى ان مشكلة كثير من الملحدين هي الفراغ المعرفي الذي يعيشون عليه بالاضافة الى ان الالحاد قد يعود الى عوامل ذاتية مما يقتضي التواصل الذاتي مع الملحد حتى يمكن انتشاله لكي لا يقع في براثن الانتحار.
. ولكن هناك ملاحظة وهي ان الشخص يكون في فترة من العمر كثير التنكر. وكلما تقدم به العمر وواجه تجارب الحياة. تخلى عن كثير من تلك الشطحات .صحيح ان الملحد يدعي المعرفة المطلقة بممارسته لعملية النفي ولم يعرف ان احكامه تخصه دون غيره. وبذلك عليه ان يقتنع بنسبيتها. فمرحلة العلم والمعرفة طويلة نحو الكمال. وما هو مجهول يتجاوز بكثير ما هو معروف. واذا كان بعض فلاسفة الغرب قد اتخذ موقفا من المسيحية نتيجة ممارستها. فان هذا السبب ينتفي في العالم الاسلامي علما انه لا ينبغي ان نحمل الاسلام بعض الاخطاء التي وقع فيها بعض المسلمين. وعليه ان الالحاد يمثل عجز الانسان امام قراءة الطبيعة. ومعرفة اسرارها. ولذلك يلتجئ اصحابه الى النفي والانكار لان ذلك اسهل الطرق في نظرهم لاثبات الذات.