
هي فقط مجموعة نيابية، لم ترتقِ لتشكل فريقا نيابيا. وبتعبير المغاربة هي “كْمِيشَة” من البرلمانيات والبرلمانيين.
بعد 8 شتنبر خرج حزب العدالة والتنمية من الحكومة، ومن تسيير جميع المدن الكبرى. خرج من تسيير الجهات والأقاليم والمجالس الجماعية.
لم يبقَ له سوى “كْمِيشَة” من البرلمانيات والبرلمانيين.
ماذا يمكن لهذه “الكُمْشَة” أن تقوم به، أمام فُرق برلمانية من 102 و87 و79 و35 برلمانية وبرلماني. إذا اجتمعوا وارتفع صياحهم، لن تسمع لأي صوت من تلك “الكْمِيشَة” من برلمانيي العدالة والتنمية. بلغة العدد، لن يصل صوتهم ولو استعملوا جميع الحبال الصوتية المتاحة في حناجرهم. هذا فقط من أجل أن يسمعهم ولو “كْمِيشَة” من المواطنين.
هذه لغة الأعداد، وبلغة الواقع، فإن الأغلبية الحكومية، ستُسيِّر الحكومة بأريحية، ولن يكون هناك من يزعج راحتها في التسيير، أو من يثير غضبها في التدبير.
اقتنعت…صدَّقت…تيقنت الأغلبية الحكومية أن الولاية الانتدابية ستكون مريحة، هادئة، ناعمة بلا متاعب ولا وجع الرأس.
ماذا عسى “كْمِيشَة” من البرلمانيات والبرلمانيين أن تفعل؟ وماذا بمقدورها أن تصنع؟
هذه متمنيات الأغلبية الحكومية. وهكذا كانت تفكر الأحزاب الثلاثة في التحالف الحكومي…الطريق سالكة لولاية حكومية تجتمع فيها كل وسائل الراحة والنعومة وأدوات الرفاهية وربما الاستجمام في قبة البرلمان.
ظنت الأغلبية الحكومية، أن كل الظروف اجتمعت، لتكون هذه الحكومة، أول حكومة في التاريخ السياسي للمغرب، تمارس مهامها الحكومية، دون صوت معارض، أو حزب مزعج، أو توجه قادر على أن يقلق راحة ورفاهية حكومة الكفاءات.
لكن…خاب الظن، وفشلت التوقعات، فأصبحنا نرى رئيس الحكومة أكبر هارب من تساؤلات البرلمان، وأكبر غائب عن الحديث إلى وسائل الإعلام. الراحة الموعودة تحولت إلى قلق وغضب من الملفات التي تفضحها “كْمِيشَة” من البرلمانيات والبرلمانيين.
وحتى تلك الأعداد الكبيرة من 102 و87 و79 و35 التي تمثل الفرق البرلمانية، لم تنعم بالراحة مع العمل الدؤوب لتلك “الكْمِيشَة” من برلمانيات وبرلمانيي العدالة والتنمية. فما كان أمامهم، سوى التخلي عن حلم الراحة والرفاهية داخل قبة البرلمان، والعمل لمسايرة إيقاع عمل تلك “الكْمِيشَة”. ومن لم يستطع مجاراة هذا الإيقاع، انضم إلى فريق “السلايتية”، وتلك حكاية أخرى، فضحتها “كميشة” العدالة والتنمية.
تحولت الرفاهية المنتظرة طيلة الولاية الحكومية إلى أرق يُبعد النوم عن رئيس الحكومة. وأصبحت تدخلات رئيس المجموعة النيابية للعدالة والتنمية هَمٌّ ثقيل، وحَمْلٌ غليظ، يتطلب مجهودا مضنيا، لدحضه وإيقاف تأثيره في المجتمع، ووقعه على قناعات المواطنين.
لم تكن الأغلبية الحكومية، تظن أن “الكْمِيشَة” ستتحول إلى خلية نحل، تشتغل أكثر من فريق برلماني متكون من 102 برلمانيا…لم تكن تظن أن تلك المجموعة النيابية سيكون أثرها أكبر من أكبر فريق برلماني.
لقد قلبت “كميشة” العدالة والتنمية الموازين، فأصبحنا بلغة التأثير والإنتاج، لا نعرف الأغلبية من الأقلية، ولا نميز بين الكبير والصغير، عدديا بطبيعة الحال.
مجموعة نيابية تقوم بكل هذا العمل في برلمان 395. حاولتُ فهم هذه الظاهرة فلم أجد ضالتي سوى في مقولة شهيرة لمؤسس علم الاجتماع الحديث إميل دوركهايم يقول فيها “لا يمكن أن نفهم الإنسان بمعزل عن المجتمع” وهو ما يفيد أننا لا يمكن أن نفهم قوة المجموعة النيابية بمعزل عن ضعف الأغلبية الحكومية.
وكذلك المقولة الشهيرة لهربرت ميد “الذات تتشكل من خلال التفاعل الاجتماعي”، وربما قوة مجموعة نيابية تكمن في قوة تفاعلها مع القضايا الاجتماعية، وهو ما يقوي الذات النيابية تحت قبة البرلمان. عكس الأغلبية الحكومية التي سجنت “الدولة الاجتماعية” في القفص الحديدي الذي تحدث عنه ماكس فيبر، بعد فضائح تضارب المصالح الذي أبدعت فيه “كميشة” العدالة والتنمية، ووقفت أمامه الأغلبية الحكومية عاجزة، مسلوبة الإرادة سواء بالرد أو المواجهة.
ونحن نتحدث عن “الكميشة” البرلمانية لحزب العدالة والتنمية، ونعكس عملها بهذه الطريقة على خطى “هاري بوتر”، نعرف جيدا أن الأمر يتطلب تضحيات جسام من قبل هؤلاء البرلمانيات والبرلمانيين. نعرف أنهم جميعهم يشتغلون فوق طاقتهم، وكبيرهم الذي علمهم كيفية تسديد السهم، قد يكون لا ينام.
أن تتفوق “كميشة 13” على جمهور 102 وحشد 87 وفصيل 79 وكوكبة 32، ليس بالأمر الهين، ولا العمل السهل.
لذلك، ومن أجل الإنصاف، نقف وقفة عرفان، لتلك “الكميشة”، لنعبر لها عن تفهمنا لعنائها وكبير عملها. نوجه لها تحية إكبار، لمعرفتنا بالمجهود المبذول، لتحقيق تلك النتائج.
ليست القوة دائما في الحجم، فمجموعة صغيرة يمكنها أن تهز سلطة المال. وصغير اليوم، قد يكون كبير الغد.