سياسة

“كلمة فيدرالية اليسار الديمقراطي على لسان أمينها العام عبد السلام العزيز حول الوحدة الترابية والموقف المبدئي من القضية الفلسطينية

كلمة حزب فيدرالية اليسار الديمقراطي
السيد الرئيس
السيدات والسادة النواب والمستشارين،
السادة ممثلي الأحزاب السياسية، والنقابات، والمجتمع المدني،
حضرات السيدات والسادة،
يشرفنا في حزب فيدرالية اليسار الديمقراطي أن نشارك اليوم في هذه الندوة حول قضية وحدتنا الترابية الوطنية، وهي مناسبة ثمينة لنقارب واحدة من أهم قضايا الوطن، ليس فقط من زاوية الدفاع عن وحدة التراب الوطني، بل أيضًا من منظور استراتيجي جامع يربط الوحدة الترابية بمشروع ديمقراطي تنموي شامل.
إننا نعتبر أن قضية الصحراء ليست مجرد ورقة تفاوض دبلوماسي، ولا ملفًا خارجياً يُدار من خلف الأبواب المغلقة، بل هي قضية وطنية بامتياز، تتطلب تعبئة داخلية صادقة، وتملّكًا جماعيًا، وخطابًا جديدًا يعكس تطلعات الشعب المغربي في الكرامة والحرية والديمقراطية.
السيدات والسادة
لا شك أن المغرب حقق مكاسب دبلوماسية مهمة، من اعترافات دولية بمغربية الصحراء ودعم مقترح الحكم الذاتي. لكن هذه الإنجازات تبقى هشة في ظل غياب الإغلاق النهائي للملف من قبل المنتظم الدولي. خصوصا أمام التحولات التي يعرفها العالم، وصعود منطق القوة والابتزاز في العلاقات الدولية، حيث تُهمَّش الشرعية القانونية و الدولية والاتفاقات الثنائية لصالح التغيرات المفاجئة والمتناقضة في المواقف وطغيان المصالح والحسابات الضيقة وهو ما يتجلى في السيناريوهات المختلفة التي ما تزال تطرح في بعض الأروقة الدولية كـ «حل عملي” مثل مشوع التقسيم، او الرجوع الى مقولة الاستفتاء، او مقولة ان لا حل دون اتفاق الأطراف، ومحاولات تزكية تنصل الدولة الجزائرية من كل مسؤولية في الملف.

إن الحكم الذاتي في الصحراء المغربية لا يمكن أن ينجح أو يقنع دون إرساء ديمقراطية حقيقية تشمل كل جهات الوطن، وتؤسس لعقد اجتماعي جديد قائم على التمثيلية، العدالة المجالية، والحريات الأساسية. لا يمكن اختزال الحكم الذاتي في مجرد عرض تفاوضي، بل نريده مشروعًا مجتمعيًا ينبثق من إرادة جماعية، ويمتد ليشمل إصلاحًا جذريًا للجهوية والتدبير المحلي، ويعالج أوجه الاختلالات في توزيع الثروة، والتمثيل السياسي، والمشاركة المواطِنة.
الحضور الكريم
نحن في حزب فيدرالية اليسار الديمقراطي، نعتبر ان الترافع المؤسساتي الناجع، الذي يمكن للبرلمان أن يلعب فيه دورًا محوريًا، يجب أن يكون مبنيًا على خطاب عقلاني، علمي، وتواصلي منفتح، يخاطب الرأي العام الدولي بلغة القانون، والتاريخ، والمعطيات المقارنة.
إن ميثاق الأمم المتحدة، الذي يُعتبر المرجعية القانونية العليا في العلاقات الدولية، ينصّ صراحة على أن أي محاولة تستهدف المساس جزئياً أو كلياً بالوحدة القومية والسلامة الإقليمية لأي دولة تُعد خرقاً لمقاصد ومبادئ هذا الميثاق. وبالتالي، فإن الدفاع عن الوحدة الترابية لأي بلد، لا يتنافى مع الشرعية الدولية بل ينسجم تماماً مع مبادئها الجوهرية. كما ان تقرير المصير لا يعني بالضرورة الاستقلال، وقد يأخذ شكل الحكم الذاتي أو غيره، كما حدث في عدة تجارب دولية، انها العناصر الأساسية في مرافعاتنا حول قضيتنا الوطنية داخل المنظمات اليسارية الاقليمية والتي لها بصفة عامة مواقف سلبية من قضيتنا الوطنية لاعتبارات إيديولوجية صرفة او لارتباطات تاريخية مع الانفصاليين ورعاتهم.
وإذ نتمكن بعض الأحيان من الاقناع بوجاهة الموقف الوطني المغربي كما تم في اجتماع اللقاء اليساري العربي ببيروت في شتنبر الماضي والذي أكد في بيانه الختامي، والذي سمي اعلان بيروت، في سياق تحليله لأوضاع المنطقة على «رفض كل اشكال التقسيم والتفتيت والتجزئة في البلدان العربية” رغم تشب بعض التنظيمات بمقولات حق تقرير المصير والاستقلال وغيره.
لكن تبقى المهمة أصعب في أوساط أخرى كمؤتمرات الأحزاب اليسارية لدول البحر الأبيض المتوسط، والتي نعمل على تليين المواقف داخلها وجعلها في حدود القرارات الدولية باعتبار الحضور القوي لبعض التنظيمات التي تستغل أوضاع الحريات والديمقراطية في بلادنا و واقع التطبيع لتأكيد معادلات غير واقعية.
وبالمناسبة نُؤكد في فيدرالية اليسار الديمقراطي أن ربط قضية الصحراء المغربية بالتطبيع مع الكيان الصهيوني لا يخدم مصالحنا الوطنية، لأنه يخلق حالة من الالتباس السياسي والأخلاقي، ويُضعف مصداقية القضية أمام شعوب المنطقة وشعوب العالم عموما. ان الكيان الصهيوني كيان توسعي احتلالي، ولا يمكن أن يكون حليفًا في قضايا التحرر الوطني.
ان ترافع المؤسسة البرلمانية يقتضي أن يكون البرلمان نفسه نموذجًا للديمقراطية الداخلية، والرقابة الفعالة، والتشريع الجريء الذي يضمن الحقوق والحريات والعدالة الاجتماعية في كل ربوع الوطن.
كما ان ترافع الأحزاب السياسية والتنظيمات النقابية وتنظيمات المجتمع عموما يقتضي توفرنا على تنظيمات قوية ومستقلة لها مصداقية داخل الوطن وخارجه

السيدات والسادة،
ان سيناريوهات التقسيم، والاقتراحات التي تروج لها بعض الدوائر الدولية، هي إشارات حقيقية لضرورة استعجال الإصلاح الداخلي، وتطوير المقاربة المغربية لتكون أكثر شمولًا ومصداقية.
لقد قدم المغرب سنة 2007 مبادرة الحكم الذاتي، ونالت ترحيبًا دوليًا، لكنها بقيت دون تفعيل. واليوم، بعد أكثر من 15 سنة، يجب أن نمتلك الشجاعة لنقول إن الوقت قد حان لتجديد هذا المشروع، ومنحه بعدًا قانونيًا، وتنفيذيًا حقيقيًا.
كما نرى في فيدرالية اليسار الديمقراطي ان طي ملف وحدتنا الترابية في الجنوب لا ينبغي ان يكون خط نهاية، بل فرصة تاريخية لبناء فضاء مغاربي تسوده الحرية والديمقراطية والتنمية، فضاء متكامل اقتصاديا وامنيا متحرر من الهيمنات الخارجية وحسابات القوى الاستعمارية قديمها وحديثها. لذا وجب تجنب ونبذ خطاب الكراهية وزرع الأحقاد بين شعوب المنطقة.
الحضور الكريم
البرلمان ليس فقط فضاءً للتشريع والمراقبة، بل هو أيضًا منصة للترافع حول القضايا الوطنية الجامعة الى جانب كل المؤسسات الوطنية ومن بينها الأحزاب السياسية ومختلف تنظيمات المجتمع. من هنا، فإننا نقترح:
1. إطلاق دينامية نقاش وطني، تُفضي إلى وضع تصور الحكم الذاتي، وتُعزز الجهوية المتقدمة على أساس ديمقراطي.
2-إشراك تنظيمات المجتمع في إعداد تقرير سنوي حول القضية الوطنية، يشكل مرجعًا في العمل الديبلوماسي والحزبي الموازي.
3-تمكين الأحزاب الوطنية والتنظيمات المجتمعية من المستجدات والتطورات التي تعرفها القضية الوطنية.
4-تنظيم دورات تكوينية للتنظيمات الشبابية الحزبية والنقابية والجمعوية لتملك ملف القضية في بعده التاريخي، القانوني والترافعي.
حضرات السيدات والسادة،
نقترح، في هذه المرحلة الدقيقة، التفكير في بلورة ميثاق وطني شامل حول الصحراء المغربية، يضم القوى السياسية والنقابية والمدنية، والفاعلين المحليين في الصحراء يُحدد المبادئ الكبرى التي توجّه العمل الوطني حول القضية، و نؤكد بالمناسبة على ضرورة خلق انفراج سياسي واجتماعي بإطلاق سراح المعتقلين السياسيين و معتقلي الحراكات الاجتماعية ومعتقلي الراي ، وإيقاف المتابعات في القضايا ذات الصلة و تبني مقاربة جديدة في معالجة القضايا الاجتماعية الكبرى كقضايا الفساد و الغلاء والشغل والتعليم و الصحة وغيرها على أسس الديمقراطية و الاشراك الحقيقي لتجاوز واقع الانحباس و الاحتقان.
إن المغرب اليوم يقف أمام مفترق طرق: إما أن نُحوّل شعار الوحدة إلى مشروع لبناء الدولة الديمقراطية الحديثة، أو نكتفي بخطابات دفاعية تبرر الركود وتعطي الذريعة لأعداء وحدتنا.
نحن في فيدرالية اليسار الديمقراطي نختار الخيار الأول، خيار البناء الديمقراطي، والترافع الواعي، والانفتاح الصادق على النقاش، لأننا نؤمن أن الديمقراطية هي أقوى سلاح في وجه الانفصال، وأن الحرية والعدالة هما الحصن الحقيقي لتحصين وحدتنا الترابية في الجنوب واستكمال تحرير الثغور في الشمال.
وشكرًا لكم.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى