رأي

نصيحة أخوية للأمين العام لحزب العدالة والتنمية من قِبَل شيخ القراء بالمدينة الصفريوية.

تحت شعار: " الدين النصيحة.. "، و" لا خير فيكم إن لم تقولوها، ولا خير فينا إن لم نسمعها ".

بقلم الشيخ الفقيه المقرئ عبد اللطيف بوعلام.

ابتداء: هنيئا لكم على إعادة انتخابكم على هرم الحزب بأغلبية ساحقة نظرا لما تتمتعون به من صراحة عفَوية، وانفتاح وجرأة دفاعا عن القيم الإسلامية والقضايا الوطنية والدولية بلغة شعبوية تفهمها جميع الشرائح المجتمعية.
لكن الشيء الذي أثار حفيظتي هو تعيير المروجين لنداء: ” تازة قبل غزة “بالميكروبات والحمير “، وكان بإمكانكم أن تربأوا وتترفعوا عن مِثْل هذا النَّبْزِ، فتختاروا الألفاظ التلطيفية مع الفئة المستهدفة لإرجاعها إلى الجادة نصرة للقضية الفلسطينية التي هي من أولويات المَلَكِية رئاسة للجنة القدس على أعلى هرم في السلطة مَلِكُنَا الهُمَام حفظه الله وشافاه وعافاه وأيده لنصرة القضية الفلسطينية، واستكمال النهضة التنموية.
ذلك أن تلك الألقاب التي ألصقها أخونا غضبا بالطائفة الخارجة عن الإجماع الأولوي في نصرة الإخوة المنكوبين لا تليق شرعاً ولا ديناً للأسباب الآتية:
+ أولا: إن الله كرَّم ابن آدم على كثير من الخلق كما هو جلي في قوله تعالى بسورة الإسراء: ﴿وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَىٰ كَثِيرٍ مِّمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلًا (70)﴾
ثم إن شرف هذا التكريم ناله أبوهم آدم بأن أمر الملائكة ليسجدوا له سجود تحية وإكرام: {وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ أَبَى وَاسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنَ الْكَافِرِينَ (34)} سورة البقرة.
+ ثانيا: إن الله يكره التفحش في الكلام والتنابز بالألقاب أيًّا كان سببه.
تروي لنا عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها حادثة من ” أنَّ الْيَهُودَ أتَوُا النَّبيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالُوا: ” السَّامُ عَلَيْكَ. قَالَ: (وَعَلَيْكُمْ)، فَقَالَتْ عَائِشَةُ: السَّامُ علَيْكُم، ولَعَنَكُمُ اللهُ وغَضِبَ عَلَيْكُمْ، فَقَالَ لَهَا رسول الله صلى الله عليه وسلم: مَهْلًا يَا عَائِشَةُ، عَلَيْكِ بالرِّفْقِ، وإيَّاكِ والعُنْفَ، أوِ الفُحْشَ. قَالَتْ: أَوَلَمْ تَسْمَعْ مَا قَالُوا؟! قَالَ: أَوَلَمْ تَسْمَعِي مَا قُلتُ؟ رَدَدْتُ عَلَيْهِمْ، فَيُسْتَجَابُ لِي فِيهِمْ، ولَا يُسْتَجَابُ لَهُمْ فِيَّ” الحديث في صحيح البخاري.
(السَّامُ بغير لام معناه الموت والهَلَكة).
والحديث الذي أوردته فيه إرشاد نبوي شريف للرِّفقِ بِالنَّاسِ واللِّينِ معهم، وهو مِن جَواهِرِ عُقودِ الأخلاقِ الإسلاميَّةِ التي غابت الآن عن العديد من المسلمين في مشاداتهم الكلامية السوقية المنهي عنها دينيا وأخلاقيا ومجتمعيا، وقانونيا تجريميا..
ذلك الله سبحانه وتعالى رفيق ورحيم يُحِبُّ مِن عِبادِه أن يتَّصفوا بصفات كماله، والتي منها الرِّفق في كل شيء.
قال صلى الله عليه وسلم:
” عَلَيْكُمْ بِالرِّفْقِ، فَمَا دَخَلَ الرِّفْقُ فِي شَيْءٍ إِلاَّ زَانَهُ، وَمَا نُزِعَ مِنْ شَيْءٍ إِلاَّ شَانَهُ (أي: عابه)، وفي رواية بالصحيحين: ” إِنَّ اللهَ يُحِبُّ الرِّفْقَ فِي الأَمْرِ كُلِّهِ “.
أي: يُحِبُّ أنْ يتَّصِفَ عبْدُه بلِينِ الجَانِبِ، والأَخْذِ بِالسَّهْلِ؛ فلا يكونُ فَظًّا ولا غَليظًا لأن الرِّفْقَ تَتأتَّى به الأغراضُ، وتَسْهُلُ به المقاصِدُ ما لا تَتأتَّى وَتَسهُلُ بِغَيْرِه، واسأل المجربين من الدعاة وأصحاب قضاء الحاجات،
والفَرْقُ بَيْنَ رَدِّه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم ورَدِّ عائِشَةَ يتمثل في أنَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم جَازاهم على قدْرِ فِعْلَتِهم دونَ أنْ يُغلِظَ عليهم في القَول. أمَّا عائِشَةُ رضِيَ اللهُ عنها فقدْ زادتْ في الدُّعاءِ عليهم، وتعَدَّتْ، وجَعَلتِ الغِلْظَةَ هي السَّبيلَ في الرَّدِّ.
+ ثالثا: إن النصيحة والدعوة إلى الخير تكون منضبطة بقوله عز من قائل بسورة النحل: ﴿ادْعُ إِلَىٰ سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ، وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ (125)﴾
بمعنى أن تكون مصطبغة بالأخلاق، وبالحكمة، والموعظة الحسنة…
ولا أجد في السيرة النبوية مِثالا أروع ومَثلا يُحْتَذَى به في الدعوة بالحكمة والرأفة والحِنيَّة
من تفاصيل القصة التي أوردها البخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه تحت رقم (6128) على أن أعرابيا بَالَ فِي الْمَسْجِدِ، فَثَارَ إلَيْهِ النَّاسُ ليَقَعُوا بِهِ أي: يُعَنِّفُوهُ، فَقالَ لَهُمْ رسول الله صلى الله عليه وسلم: ” دَعُوهُ، وأَهْرِيقُوا علَى بَوْلِهِ ذَنُوبًا مِن مَاءٍ -أوْ سَجْلًا (دَلْواً) مِن مَاءٍ- فَإنَّما بُعِثْتُمْ مُيَسِّرِينَ ولَمْ تُبْعَثُوا مُعَسِّرِينَ “.
وكان الأعرابي يخرج من المسجد وهو يقول شاكرا صنيع المؤدِّب الرؤوف والمعلم الفطِن الذكي بقوله للذين عنَّفوه: ” اَللَّهُمَّ ارْحَمْنِي وَمُحَمَّداً، وَلاَ تَرْحَمْ مَعَنَا أَحَداً! “، وفي رواية عَقَّبَ عليه بقوله: ” لَقَدْ حَجَّرْتَ وَاسِعاً ” يريد رحمة الله أن تشمل الجميع. هكذا بالحكمة والرفق، يمكن تحويل موقف غير لائق إلى فرصة للتعليم والإرشاد.
وعطفا على هذا التوجيه النبوي والخُلق الراقي نورد قصة الشاب الذي طلب من النبي أن يأذن له بالزنا، حيث
أتى إلى النبي صلى الله عليه وسلم وقال له بصراحة: ” يا رسول الله، إئذن لي بالزنا.”، وكان الصحابة في حالة من الغضب، لكن النبي صلى الله عليه وسلم نظر إليه برفق وقال له: ” أترضاه لأمك؟”. قال الشاب: “لا”، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: “أترضاه لأختك؟”
قال: “لا” ثم سأل النبي: ” أترضاه لابنتك؟”. قال الشاب: “لا”، ثم دعا له النبي قائلاً: “اللَّهُمَّ اغْفِرْ ذَنْبَهُ، وَطَهِّرْ قَلْبَهُ، وَحَصِّنْ فَرْجَهُ”،
فخرج الشاب وهو يشعر بخجل كبير، وكان شيئًا ما لا يطيق أن يراه أمامه مرة أخرى، وتغير قلبه بالكامل.
هذه الأمثلة سقتها للمتراشقين على وسائل التواصل الاجتماعي بالسباب والشتم والنبش في العورات زعما منهم بتصدرهم لكشف الحقائق، وهم في واقع الأمر يخوضون في الماء العَكِر نشرا للفضائح التي زكمت الأنوف، وأعيت الأنظار والأسماع نبشا في خصوصيات وأعراض الناس، وأضحكت علينا الأعداء تصنيفا في الحصول على قدَم السبق في ميداليات التفاهة والرداءة وقلة الكفاءة.
وليس قصدي من مقالي هذا انتقاد شخص أطٌَر العديد من الإخوة ردحا من الزمان. حيث استفادوا من توجيهاته النيِّرة الْوَضَّاءَةِ وبشاشته التي لا تبارح وتفارق قسمات وجهه، إنما كتبت هذه السطور المطولة ناصحا له برجوعه إلى الحالة التي كان عليها مسامحا ليِّنا لا يعاتب أحدا، والإخوان الذين تتبعوا مساره يشهدون له بذلك.. وألتمس له العذر في انفعالاته ربما لتقدم السن، أو لكثرة المهاجمين المتهجمين على شخصيته المرحة مطالبا إياه بأن يكون سموحا معتذرا لمن وَسَمَهم بالميكروبات والحمير عساهم يفيئون إلى الحق تمثُّلا بفِعل العليم الحكيم الذي جعل خطابه للناس أجمعين دون تعييرهم بالكفر، ولم يناديهم في القرآن كله بهذا النداء المنفِّر للهداية إلا مرتين لما حُسِمَ أمرُهم في النار لدى قوله تعالى بسورة التحريم توبيخا لهم: ﴿يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ لَا تَعۡتَذِرُواْ ٱلۡيَوۡمَۖ إِنَّمَا تُجۡزَوۡنَ مَا كُنتُمۡ تَعۡمَلُونَ (7)﴾ ولما فاوض الكفار الرسول صلى الله عليه وسلم مهادنة في أن يعبد إلههَم سنة ويعبدوا إلهَه سنة. حيث أوحى سبحانه وتعالى لنبيه أن يتلو عليهم سورة الكافرون تبرئة من هذه المساومة المساوية لعبادة من دونه عز وجل: * قُلۡ يَٰٓأَيُّهَا ٱلۡكَٰفِرُونَ لَآ أَعۡبُدُ مَا تَعۡبُدُونَ وَلَآ أَنتُمۡ عَٰبِدُونَ مَآ أَعۡبُدُ، وَلَآ أَنَا۠ عَابِدٞ مَّا عَبَدتُّمۡ وَلَآ أَنتُمۡ عَٰبِدُونَ مَآ أَعۡبُدُ، لَكُمۡ دِينُكُمۡ وَلِيَ دِينِ*، وَتُسَمَّى هذه السورة كذلك: الْمُقَشْقِشَةُ، أَيْ: الْمُبَرِّئَةُ مِنَ الشِّرْكِ وَالنِّفَاقِ بالإضافة إلى تكنيتها ب: الْعِبَادَةُ، وَالإِخْلاَصُ.
هذا هدي الله لنا الذي من خلاله أومئ إلى المعلقين والمعلقات على هذه الهفوة غير المقصودة عدم استعمالهم للألفاظ الجارحة إلى حد الانسلاخ من الإسلام والعروبة والمغربَة بشعارات لا تمت لنا بصلة ولا تليق بالمغاربة وصِفاتهم النبيلة وكرم ضيافتهم المُشاد بها عالميا، ومذكرا الجميع بقوله تعالى بسورة الحجرات: ﴿إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ ۚ وَاتَّقُوا اللهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ (10)﴾
وهذه ولا مَيْنَ أي: شَكَّ آية جامعة ومانعة لإشعال الفتنة بين المسلمين، وذلك يكون بإسداء النصح وبث روح المسامحة بالرغم من أن الأنفس أُحْضِرَتِ الشُّح، وتأبى الانصياع للحق والمصالحة، وسينتهي كل شيء في هذه الدنيا الفانية، ويبقى سِجِلُّك الذي يشهد عليك أو لك. لذا، فَلْنَصُنْ جميعا ألسنتَنا عن التراشق بالكلمات النابية غير المستساغة أدبا وخُلقا؛ فَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّهُ سَمِعَ النَّبيَّ ﷺ يَقُولُ:
* إنَّ الْعَبْدَ لَيَتَكَلَّمُ بِالْكَلِمَةِ مَا يَتَبيَّنُ فِيهَا، يَزِلُّ بِهَا إِلَى النَّارِ أَبْعَدَ مِمَّا بَيْنَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ* الحديث متَّفَقٌ عليهِ.
ألا هل بلغت، اللهم فاشهد..
وفقكم الله في مسعاكم وسدد خطاكم، ونسأ في عمركم حتى ترون في أهلكم وأفلاذ كبدكم ومستقبل وطنكم ما يسركم ويفرحكم وتقر به عينكم، وهدانا وإياكم إلى جادة الصواب اجتنابا للتنابز بالألقاب. آمين آمين يا رب العالمين.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى