
جاء في قاموس لسان العرب لإبن منظور في تعريف فعل “ثقف” نقول ثقف الشيء ثقفا وثقافا وثقوفة حذقه، ورجل ثقف، لقف رام و راو.
فالثقافة كاللقافة، وتعني ضبط الشيء و القيام به، وتعني كذلك سرعة الكلم والنظم
و سرعة الظفر بالشيء ، وتثقيف الناس يعني تعليمهم في مختلف المجالات بالإحسان في ذلك وبتطوير الوسائل وتنويع المداخل بحسب الزمان والمكان وبحسب الأفراد و الجماعات.
ونهاية المثقف تعني الانقطاع عن المجتمع أو التحول من التفكير والانتهاء من مرحلة معينة والدخول في أخرى تتسم بالركود
و الجمود، فيخبو التفكير في الحقيقة.
وقد تكون النهاية بالنفي أو القتل أو الإعدام الذي له شواهد كثيرة في تاريخ البشرية قديما وحديثا .
وقد تكون النهاية بفقدان التأثير في الناس وتجاهلهم.
وقد يكون كذلك بسبب التقاعد و الإنسحاب من الحياة العامة، و قد يستصحب ذلك تغيير في الاهتمامات ، فينتهي بذلك دوره كفاعل مؤثر في الشباب وغيرهم من الباحثين عن الحقائق.
وإجمالا فالمثقف هو الشخص الواسع المعرفة، الناقد، القادر على على التعبير المنفتح على الثقافات، الماهر في النقاش
و طرح الأسئلة المزعجة العمومية ،الخاصة منها والعامة في الفضاءات العمومية كالصالونات الثقافية أو المجالس العلمية الرسمية و المدنية.
ويكون المثقف عضويا بحسب تعريف الفيلسوف الإيطالي أنطونيو غرامشي ، كلما كان المثقف شديد الارتباط بالمجتمع البشري، ممتلئا بقضايا وطنه ، مساهما في إيجاد الحلول لها ، فعالا في تفسيرها و مجتهدا في إيجاد الحلول لها، نشيطا في إختراع المخارج، ويكون بذلك مساهما في تشكيل الوعي الاجتماعي، وهو يختلف عن المثقف التقليدي الذي يكون في الغالب غير ناشىء في مجتمعه غير مرتبط بقضاياه العميقة.
فمن يكون وراء نهاية المثقف؟
ان قصة الفيلسوف اليوناني سقراط الذي أعدم بسبب حبه للحكمة وتعليمها للناس، خير مثال يمكن إدراجه في هذا الموضوع،
فأما من اتهمه فهم ثلاثة: السياسي أنيتوس والشاعر ميليتوس والخطيب ليكون.
لكن الذي اقترح عقوبة إعدامه هو الشاعر ميليتوس، والتهمة كانت: أولا : عدم توقير الآلهة المدينة ، ثانيا إفساده للشباب بالأسئلة خصوصا الأسئلة العمومية المزعجة.
سقراط كان شيخا مزعجا يقضي ساعات طوال، إما يسأل الناس في حدود عقولهم، وإما يبقى في الساحات العمومية واقفا لا يتحرك غارقا في ضرب من التأمل ، متجمدا يحاور نفسه ، فكان الإعدام لإسكات الأسئلة والتوقف عن نشر الوعي بين الناس بأسلوب تعليمي سهل ومرح.
هكذا يكون السياسي و الشاعر والخطيب أسبابا في نهاية سقراط وكل مثقف من قبل ومن بعد.
فما علاقة المثقف بالسياسي و الشاعر والخطيب. ؟
1- علاقة المثقف بالسياسي: غالبا ما تكون العلاقة معقدة و متعددة الأوجه، فالسياسي يؤيد ، ويؤثر في المثقف ، والمثقف هو الآخر يؤثر في السياسي، لكن المثقف هدفه نشر المعرفة و الفكر، بينما السياسي يهدف إلى تحقيق مكاسب سياسية و اقتصادية ، السياسي يستعمل وسائل وأساليب سياسية و تنظيمية، والمثقف يعتمد على الأساليب الفكرية و الثقافية.
قد يتواصل السياسي مع المثقف في النقاشات و الحوارات المفتوحة، وقد يمارس على المثقف الرقابة المانعة لحرية التعبير، وقد يلجأ إلى استعمال ضغوطات واكراهات ليغير المثقف آراءه وأفكاره في الفترات الصعبة و الساخنة.
2) علاقة المثقف بالخطيب: فكلاهما يمتلكان القدرة على التعبير لكن يتفوق المثقف على الخطيب باتساع معرفته ، بينما يتفوق الخطيب على المثقف بقدرته على مخاطبة الجماهير الواسعة ، غرضه الإقناع والتحفيز على الفعل، بينما يميل المثقف إلى نشر المعرفة وطرائق التحليل ، وقد يتحدث إلى جمهور مختص نخبوي.
الخطيب لا يقبل الحوار و النقاش و طرح الأسئلة خاصة إذا لبسه الغرور ، فينعدم الاستماع له ويفقد التأثير ويختل الاستقطاب فتضيع فرص التأثير و التحفيز.
في حين أن المثقف يعمل على فهم وتحليل حاجيات الناس بالاستماع إليهم مما يساعد على بناء الثقة وتحسين التواصل.
3) أما علاقة المثقف بالشاعر فقد تكون وثيقة، فقد يكون المثقف شاعرا وقد يكون الشاعر مثقفا. ويبقى من ميزات الشاعر القدرة على التعبير بالاستخدامات اللغوية قاصدا الإستيلاء على القلوب والسيطرة على وجدان جلسائه ، لكن قد يختلفان في الأساليب، فالشاعر يستعمل الأوزان و القوافي ويستدعي المجازات و الاستعارات ، بينما يتشامخ المثقف بالنصوص النثرية والكلام المرسل، وقد يختلفان في كون الشاعر يستهدف والمشاعر بطرق جمالية، بينما يعتمد المثقف العرض وطرح الأسئلة سالكا سبل التحليل بإشراك مستهدفيه من الشباب والأطفال و الرجال و النساء.
فهناك شعراء مثقفون كأبي القاسم الشابي وأحمد شوقي، كما أن هناك مثقفون واللائحة بهم تطول.
فمن جهة العقلانية يكون الشاعر أو السياسي أو الخطيب عقلانيًا أو غير عقلاني.
فالشاعر قد يكون عقلانيًا على خط المثقف،إذا كان يستخدم العقل والمنطق في أشعاره، وهذا قليل وقد يكون السياسي عقلانيا إذا كان يستخدم العقل والمنطق في اتخاذ القرارات، كما أن الأمر ينطبق على الخطيب إذا كان يستخدم العقل والمنطق في خطاباته وهذا يتطلب شروطا أساسية كالحرية والكرامة ونكران ذات .
واخيرا يبقى تحديد الأهداف واختيارالوسائل والوسائط ، أهم شروط اانجاح والتميز لكل من الشاعر والسياسي والخطيب.
ويبقى كذلك من شروط استمرارالمثقف في برجه باتخاذ القرارات الصائبة التي تساعد غيره فى توقيع القرارات الصائبة.وهذا لا يتأتى له إلا بالتفكير النقدي التحليلي والتشجع عليه، ببناء الحجج القويةالعقلانية والمنطقية. وإلا كان الموت بنوعيه المادي والمعنوي أنصبة للجميع.
تحياتي