
في سنة1998 كنت مسافرا على متن القطار، من مراكش إلى فاس لإحياء أمسية فنية بجامعة المولى عبد الله، وكان النقاش جد ساخن حول موضوع القضية الفلسطينية، وكنت محظوظا لسببين الأول : أن هذه المقطورة فيها نخبة مثقفة، وهذا شيء يذكر بحلقات النقاش في نقابة ( أ ـ و ـ ط ـ م )، الفرق الوحيد بين الحلقة الأوطامية في ساحة الكلية، و الحلقة في مقطورة القطار هي أن الأولى ثابة والثانية متحركة، فإن تساوت الحلقتين في درجة حرارة النقاش، فإن الفرق واضح بين حلقة تسير على السكة بسرعة تتجاوز 100كلم، ومع ذلك يمكن للحلقة “الأوطامية” أن تتحرك هي كذلك بسرعة، وذلك عند هجوم فرق التدخل السريع ( السيمي)، المهم وإن إختلفت السرعة تبقى الوجهة واحدة فلسطين تجمعنا، عودة إلى ذكر السبب الثاني الذي جعلني محظوظا، إنه غياب الهاتف المحمول ( ايفون ) الذي يسمى زورا بالذكي، والحقيقة أن الذكاء كل الذكاء هو في تركه على جانب، ثم الإنخراط في النقاش السياسي و الإجتماعي لتنمية الوعي، تصور معي لو كانت معنا هواتف ( ذكية) في ذاك السفر، إذن لكان الجميع في شغل هذا يتابع مبارة في كرة القدم، وآخر يستمع إلى الموسيقى ومن بجانبه مستغرق في كتابة الرسائل، و آخرون وضعوا السماعات و أغمضوا العيون، المهم لن تجد من يناقش او يستمع لنقاش ولسان حاله يقول : ( لتذهب كل المواضيع إلى الجحيم ).. بعد هذه التوطئة نمر إلى نقاش حلقية المقصورة، الأرضية هي لماذا ترك العرب والمسلمين، اليهود يحرقون المسجد الاقصى في سنة 1967، ولم يعلنوا النفير العام والجهاد كرد على العدوان..؟ وفي أحسن الأحوال كان هناك من يدعو ثم ينصرف راشدا إلى صاحبته، أو يتابع محاضرة حول القضية عبر تقنية الزوم، ولسان حاله يقول هذا جهد المقل.. لا الشريف هذا جهد المنسحب المتولي..!! وليعلم الجميع أن التولي يوم الزحف من الكبائر، في حين العدو يقصف غزة ب(F35) و(F16)، ينتظر بني عربان الطير الأبابيل…. !!! إن ما يحدث لأهل غزة اليوم أصبح الجهاد معه فرص عين… خاصة على ما يسمى بدول الطوق التي لها حدود مع فلسطين المحتلة، والدول الأبعد عليها إمداد المقاومة بالسلاح والمال، وعليها إغلاق كل المطاعم والأسواق والشركات والأبناك التي تمد العدو باامال، أما الوقفات التضامنية اتركوها للأجانب، فولله النصرى افصل منا فيها تنظيما و عددا، أنتم أصحاب الدار والحرب تقع في أرض المسلمين… يقولون ” نتضامن” نصيحة لوجه لله كفو عن هذا الكلام السخيف، أنتم أصحاب القضية و حماتها و لستم أجانب، فالله قادر علي أن يستبدلكم ولا يعجزه ذلك سبحانه، و المسألة مسألة وقت لا غير.. عودة إلى حلقة النقاش المنتقلة من مراكش إلى فاس
الفقرة الأولى :
ـ لماذا لم تتدخل الطير الأبابيل :
و لمحاسن الصدف كانت وجهة الجميع فاس أو مكناس، وهذا مهم نظرا لطول المسافه مما حرر المتدخلين من ضغط الوقت، فكانوا مرتاحين في مداخلاتهم، لهذا لم نكن نحسب وقت المداخلة بالدقائق بل بالكيلومترات، مثلا قد تكون مدة المداخلة من سطات إلى برشيد، يليها تعقيب من برشيد إلى محطة الوازيس، ثم تكون اخرى من محطة الوازيس إلى المحمدية، وهكذا طيلة مدة السفر مداخلات نقط نظام تعقيب استفسار..، أما سبب اختيار موضوع (حرق المسجد الاقصى) كأرضية للنقاش، هو قرب حلول ذكرى هذه الجريمة الكبرى، لقد تناول المتدخلون الموضوع من كل الجوانب، و تحدثوا عن جذور المشكل قبل وعد بلفور وبعده، لكن المداخلة التي ألزمتنا الصمت لمدة ” كلمتر ” أو يزيد، حيث بقي البعض يحدق في البعض لمدة ليست بالقصيرة، ثم و اصل المتدخلون بعد ذلك النقاش انطلاقا من هذه النقطة، لقد طرح الأستاذ عدة تساؤلات حول حادثة حرق المسجد الاقصى، حيث قال : ( .. أليس المسجد الاقصى بأولى القبلتين و ثالث الحرمين…؟ الم يكن مكانا اختاره الله لمسرى الرسول محمد صلى الله عليه وسلم، ثم عرج به إلى السماوات العلى..؟! الم يذكره النبي الكريم ضمن المساجد التي تشد اليها الرحال..؟ فلماذا إذن ترك وحيدا يواجه عدوان الصهاينة، ولم تتدخل الطير الأبابيل كي تدمر و تقصف جيش بني قريظة وبني قينقاع..؟ كما فعلت مع جيش الحبشة بقيادة الطاغية أبرهة الأشرم..؟ فكما للكعبة قدسية فهي للأقصى كذلك..!! )، التعقيب على هذه التساؤلات سيكون انطلاقا من محطة سيدي قاسم، إلى نهاية خط السير بمحطة فاس..
الفقرة الثالثة :
ـ زمن أبرهة الأشقر :
إذا كان العرب قديما قد تعرضوا لغزو أبرهة الحبشي، وهو طاغية بلون أسود قاتم، فاليوم العرب مع طاغية بلون ابيض فاتح، ومن يدري فقد يظهر طاغية آخر يغزو العرب في المستقبل القريب، قد يكون لونه أصفر أو أحمر.. أنا افضل طاغية بلون قوقي أو سماوي، المهم العرب أصبحوا كمنديل السفناج كل من أكل مسح فيهم يديه، الطير الأبابيل الله وحده من يتحكم فيها يرسلها متى شاء، في رأيي أن هذه الطيور لو قدر لها أن تأتي في هذا الزمان، لكانت بعض العواصم العربية أولى بالتدمير و القصف من مدن الأعداء، لماذا إذن قد يتغير بنك أهداف الطير الأبابيل التي قصفت أبرهة الحبشي..؟ في نظري هذا الأخير عندما قرر غزو مكة، قاصدا هدم البيت الحرام بجيش عرمرم، تتقدمه الفيلة دبابات لم يعهدها العرب في حروبهم من قبل، كيف كان تصرف القبائل العربية في الجاهلية مع هذا الغازي، فهناك قبائل قاومت و انهزمت وأخرى استسلمت، لكن لم تساعده أية قبيلة ولم تقدم له الأموال والهدايا، ولم يستقبل بالحليب و التمر و تصطف له الجواري يلوحن بشعورهن، حتى ابو طالب عندما ذهب عند ابرهة، لم يقل له خذ جمالي هدية وارجع، بل طالبه بتسليم الجمال لانه رب الجمال، و للبيت رب يحميه وهذا ما حصل فعلا، لقد كان عند العرب خائن واحد هو أبو رغال، الذي كان دليل ابرهة يرشده إلى طريق مكة، وقد هلك أثناء تقديمه هذه الخدمة القذرة، وبقيت العرب ترجم قبره لسنين طويلة بعد موته، واليوم لم يعد ابورغال وحيدا منبوذا، بل ا صبح عنده قبيلة تسمى ( ٱل رغال)، أظن أن ابو رغال لو بقي حيا بعد الغزو لقتلته العرب، هذا كرد فعل عند عرب الجاهلية ايام العز و النخوة… اما لو كان حاضرا اليوم لتم تكريمه نظرا لوطنيته و حكمته وبعد نظره….
خلاصة :
أبرهة الأشقر الأحمق زار قبائل العرب، في وقت تحرق فيه غزة و يدنس المسجد الاقصى، وقدمت له الهدايا والذهب مع الفضة و الجواري، كان المسلمون ينتظرون خليفة من الشرق، فجاء الخليفة الحاج دونالد ترامب من الغرب، قال له العرب : ( مد الله في عمر الخليفة، و زاده شرفا و تعظيما يا مولنا نطمع في كرمك، خذ ماشئت من ذهب و فضة وتمتع بالجواري الحسان، لكن ما قولك فيما يحدث لغزة من حرق، و إبادة جماعية و تجويع، تزاحم الخطباء الفصحاء و تنافسوا في اختيار عبارات التمجيد و التبجيل، كل هذا و الخليفة الأحمق يحتسي كؤوس الشمبانيا غير مكترث، وعندما اكمل القنينة الثانية نظر يمينا و شمالا وهو يتمايل، ثم قام وعلى وجهه ابتسامة عريضة وقال : ( اليوم خمر وغدا أمر ) ثم تمتم بكلمات غير مفهومة، بعدها أخذ حقائبه المدبوزة بترايونات من الدولارات، و قفل راجعا سلما غانما إلى مقر الخلافة بواشنطن، في حين بقي العرب يحللون كلماته ( ماذا يقصد بكلمة غدا أمر)، وكل قنوات العرب تشتغل على فك شفرة غدا أمر… فهل هذا يعني انه سيعلن نهاية عدوان غزة.. ؟ أم أنه عازم على فتح كل المعابر و إدخال الماء والدواء والغداء فورا.. وعلى حرارة هذا الجدل حول المقصود من الكلمات… أودعكم على أمل اللقاء بكم في زيارة الخليفة ابرهة الأشقر القادمة